اسمع إلى هذا الموقف وهذه القصة، وتدبر ما فيها من عبرة: كانت امرأة جميلة لها جمال بارع، أمرها قوم وأغروها بمال أن تتعرض لعابد زاهد من عباد الله الصالحين اسمه الربيع بن خثيم، وكان هذا معروفاً بجماله، كان جميلاً كأشد ما يكون من الجمال، حتى أن المرأة إذا نظرت إليه لا تستطيع أن تملك نفسها، وقيل عنه: إنه كان يغطي على جزء من وجهه حتى لا يفتن النساء، ولكن كان مع هذا من أعظم عباد الله خوفاً من الله، فقام مجموعة من الفساق ودعوا امرأة وقالوا لها: إن فعلت وصرفت الربيع فلك ألف درهم.
قالت: ولكم فوق هذا أن يزني وأن يفعل؛ لأنها على جانب كبير من الإغراء والجمال، وطمعت في الألف، وأرادت أن تفتنه وأن ينحرف عن طريق ربه، ولبست أحسن ما قدرت عليه من الثياب، وتطيبت بأطيب ما قدرت عليه من الطيب، وانتظرت الربيع حتى خرج من المسجد بعد صلاة العشاء وهو راجع إلى بيته، واختفت في مكان لا يراها فيه أحد حتى تهيئ المكان الذي يستطيع أن يسقط وأن يضعف؛ لأنه إذا رآه الناس قد يستحي، لكنها تريد أن تخلو به، وإذا خلت به يكون هناك واحد ثالث وهو الشيطان، فتستعين بالشيطان حتى تقهر هذا الرجل الصالح.
ولما رآها الربيع رحمه الله ورضي الله عنه وأرضاه أحس بغدرها، وأدرك خطورة مكرها، فأراد أن يعظها لعلها أن تهتدي، فقال لها: يا أمة الله! كيف بك إذا نزل المرض بجسمك فغير ما أرى من لونك.
يا أمة الله! كيف بك إذا نزل بك الموت فقطع منك حبل الوتين.
يا أمة الله! كيف بك إذا سألك منكر ونكير في قبرك.
ذكرها بالموت وذكرها بالقبر وبالسؤال، فارتعدت، ثم سقطت، ثم بكت، ثم ولت وانصرفت باكية، ومن ذلك اليوم تابت إلى ربها وأنابت، وتعاهدت وعاهدت على الاستقامة والسير في طريق الله حتى ماتت، فكانت تتعبد لله في محرابها، وكلما ذكرت معصيتها غمرها البكاء، ولم تفارق الدنيا حتى عرفت بكثرة العبادة لربها، وبلغت من عبادتها لربها أنها كانت يوم أن ماتت كأنها جذع محترق، من كثرة وقوفها ومن كثرة خشيتها لله عز وجل، احترقت من بكائها وخوفها من الله! أخي المسلم: ألست أنا وأنت أصحاب الخطايا؟ أين دموعنا؟ ألسنا أسير المعاصي والذنوب، أين بكاؤنا؟ هل نسينا الذنوب وصحفنا مملوءة بالخطايا والآثام؟ هل نصبر على الهاوية؟ وما أدراك ما هية؟ إنها نار حامية.
لقد خرجنا من بطون أمهاتنا وحدنا، وسوف نموت وحدنا، وسندخل إلى القبور لوحدنا، وسنقف بين يدي الله لوحدنا، فهل حققنا معنى العبودية في نفوسنا؟ هل أدينا حق الوالدين علينا؟ هل قمنا بحقوق الزوج والأقارب والأبناء علينا؟ هل ربينا أبناءنا على ذكر الله وعلى الصلاة، أم على الغناء والأفلام والمسلسلات؟ إلى متى نصر على ترك الصلاة؟! إلى متى نستمر في هجر القرآن؟! إلى متى نهجر العلم؟! إلى متى لا نذكر الله؟! إن القبر ينتظرنا، والتراب فراشنا، والدود أنيسنا، والفزع الأكبر موعدنا، والوقوف بين يدي الله ينتظرنا، هل ننتظر حتى نموت وقد ضاع ديننا؟ لقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من قوله: (يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب والأبصار! صرف قلبي على طاعتك) قال أنس: قلنا: (يا رسول الله! آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا؟ قال: نعم، إن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) والحديث صحيح، أخرجه الإمام أحمد وأخرجه مسلم وصححه الترمذي وابن ماجة.
فهل أمنا أيها الإخوة على قلوبنا؟ إذا كان سيد البشر يخاف ويقول: (يا مقلب القلوب! ثبت قلبي على دينك) ونحن لا نخاف! لا إله إلا الله! أخي المسلم: إن الموت آت بسكراته، والقبر ينتظرك بظلماته وأهواله، والبعث في انتظارك بأشكاله وأحواله، ويوم القيامة موعدك بشدائده وأهواله {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ} [ق:22].
مثل لنفسك أيها المغرور يوم القيامة والسماء تمور
قد كورت شمس النهار وأدنيت حتى على رأس العباد تسير
وإذا الجبال تقلعت بأصولها ورأيتها مثل السحاب تسير
وإذا البحار تأججت نيرانها ورأيتها مثل الحميم تفور
وإذا الوحوش لدى القيامة أحضرت فتقول للأملاك أين نسير
فيقال سيروا تشهدون فضائحاً وعجائباً قد أحضرت وأمور
وإذا الجنين بأمه متعلق يخشى الحساب وقلبه مذعور
هذا بلا ذنب يخاف لهوله كيف المقيم على الذنوب دهور
إذا كان الطفل الصغير ينتابه الذعر ويشيب رأسه {يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيباً} [المزمل:17] {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى} [الحج:2] ما من سكر ولكنها شدة الأهوال {وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:2].
هل تصورنا هذا يا أخي؟! مثل لنفسك، تصور الوضع! تخيله وهو حقيقة! ووالله الذي لا إله إلا هو إنها كائنة لا بد منها.