أخي في الله! إن الله لم يخلقنا عبثاً حتى نعيش فترة العمر في عبث، ولم يتركنا الله عز وجل هملاً حتى نعيش عيشة الهمل، لقد حدد الله عز وجل الغاية من خلقنا، فقال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وبين لنا المنهج وقال: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى} [طه:123] يقول ابن عباس: [تكفل الله لمن اتبع القرآن -وهو الهدى- ألا يضل في الدنيا ولا يشقى في الآخرة].
لكن قال: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} [طه:123 - 124] أي: عن هداي {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه:124 - 127] هذا هو المنهج هدى تمشي عليه لا تضل في الدنيا ولا تشقى في الآخرة، تعرض عنه تضل في الدنيا وتعذب وتشقى الشقاء الذي ليس بعده سعادة.
فيا من تريد الحياة الطيبة! وتريد حسن المآل والمقام في الآخرة! يقول الله لك: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] ويقول: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ ثَوَابَ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ ثَوَابُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [النساء:134].
هل قمت بواجب العبودية؟ أنت عبد، والله خلقك للعبادة، هل أصبحت اهتماماتك اهتمامات الدين، أم أن اهتمامات الناس محصورة في الطعام والشراب والسهر والعبث؟ اهتمامات محصورة في الشهوات: شهوات البطون ومتع الفروج، وملذات الأجساد، وتجد أفكار الناس في هذا كله، أين اليوم وأين نسهر؟ والليلة ماذا نرى؟ وماذا نشهد؟ وأين نتمشى؟ وماذا نتغدى؟ وماذا نتعشى؟ وأين نذهب؟ فقط! لكن: ماذا نقرأ من كلام الله؟ كم نصلي؟ كم نذكر الله؟ كم ندعو إلى الله؟ كم نفكر في الجنة؟ كم نفكر في النار؟ كم نستعد للقبر؟ كم نعرف هذه الحياة؟ هذه موجودة عند قليل من الناس، إنما الجل من الناس اهتماماتهم دنيا، هل آمنوا هؤلاء بالقبر وبعذاب القبر وغمرات الموت؟ لا أيها الإخوة! ستذهب الأيام، وتكتب الآثام، ويبكي الإنسان بكاءً لكن لا ينفع البكاء ولا تنفع الملامة، يا أسفاً لك يا أخي إذا جاءك الموت ولم تتب! ويا حسرة لك إذا دعيت إلى التوبة ولم تجب!