قالوا: أما العقلي فمتعذر؛ لأنه لا يوجد شخص مات وذاق ألم الموت ثم رجع وأخبر الناس بآلام الموت، لا يوجد كل واحد يأخذها ويذهب ولا يرجع مرة ثانية، ولكن قالوا: عقلي عن طريق القياس، قالوا: كيف؟ قالوا: نقيس، ما معنى الموت أصلاً؟ الموت: هو مفارقة الروح وإيذاء الروح في كامل أجزاء الجسد فيحصل للإنسان ألم، حسناً إذا أخذت سكيناً وقطعت في إصبعك قطعة بالسكين أو أخذت إبرة ووخزت بها جلدك أو أخذت قطعة نار أو عود ثقاب وأشعلت به إصبعك، ماذا يحصل؟ يحصل ألم، لماذا؟ لأن الروح أوذيت في هذا الجزء فيترتب على هذا ألم، فإذا أوذيت الروح ليس في الإصبع بل في كل جزئية، في كل شعرة، في كل بشرة، في كل عظم، في كل قطرة دم، في كل خلية من خلايا جسمك تنزع الروح منها كيف يكون الألم؟ لا يتصوره العقل، الآن لما آخذ عشر إبر وأدقها في ظهر شخص هل ألمها مثل ألم إبرة أم عشرة أمثال؟ عشر إبر، فإذا أخذت مائة إبرة كيف يكون ألمها؟ كألم الإبرة مائة مرة، والموت مثلها؛ لأن الروح تخرج من كل شعرة وبشرة، ومن كل ظفر وعظم، ومن كل مفصل وقطرة دم، ولهذا تنزع الروح، وهذا يجده البر والفاجر الطيب والخبيث المؤمن والكافر الكل يحس بألم سكرة الموت؛ لأنك الآن لو جئت إلى مسلم طيب بر دين تقي، وآخر فاجر خبيث، ودقيت هذا بإبرة وهذا بإبرة ألا يجدون الألم كلهم سواء؟ سيجد هذا الألم الطيب والفاجر سواء، ففي الحياة الآلام تقع على الطيب والفاجر سواء، لكن المؤمن يخفف عنه، فتخرج روحه كما جاء في الحديث بسهولة، الحديث صحيح في مسند أحمد في سنن أبي داود عن البراء بن عازب رضي الله عنه والحديث طويل قال: (إن المؤمن إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة، نزلت ملائكة من الجنة، ومعها مسوح من الجنة، وحنوط من الجنة، وكفن من الجنة، فيجلسون له على مد البصر، ثم يأتي ملك الموت فيقول: يا أيتها الريح الطيبة! كانت في الجسد الطيب اخرجي إلى روح وريحان، وإلى رب غير غضبان، قال: فتخرج روحه) تخرج بلطف كما تخرج القطرة من فم القربة، الله عز وجل يجمع الروح وتخرج مرة واحدة، هذه سكرة الموت، لها ألم لكنه خفيف.
(فلا يدعونها في يده طرفة عين حتى يأخذوها في ذلك الحنوط والكفن ويصعدون بها إلى السماء، ولها ريح كأطيب ريح وجد على ظهر الأرض) إلى آخر الحديث.
قال: (وأما العبد الفاجر أو الكافر، إذا كان في انقطاع من الدنيا وإقبال على الآخرة، جاءت ملائكة من النار معها مسوح من النار، وكفن من النار، فيجلسون له مد البصر، ويأتي ملك الموت ويقول: يا أيتها الروح الخبيثة! كانت في الجسد الخبيث اخرجي إلى عذاب من الله وغضب، قال: فتتفرق -تهرب الروح ما دام أنه دعاها إلى غضب وإلى لعنة أين تذهب؟ - قال: فتتفرق وتتشبث -تقعد في كل أجزاء الجسم- قال: ثم يجذبها -وشبه الجذب- كما يجذب السفود من الصوف المبلول) السفود: الحديدة ذات الشعب المتطرفة، تدخلها في صوف، والصوف مبلول أو القطن المبلول، ثم تطلعها، كيف تعمل فيه؟ تمزعه من كل جهة، كذلك الروح تخرج من جسد الفاسق والكافر على هذا الوضع فلا يدعها في يده طرفة عين حتى يأخذوها ويضعوها في ذلك المسوح من النار، ثم يصعدون بها إلى السماء، ولها ريح كأنتن ريح جيفة وجدت على ظهر الأرض، ثم في السماء الروح الطيبة تفتح لها أبواب السماء، والروح الخبيثة تغلق عليها أبواب السماء، وترمى إلى النار كما جاء في القرآن الكريم يقول الله عز وجل: {لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} [الأعراف:40] إذا دخل البعير في خرق الإبرة أدخلهم الجنة، علقهم على المستحيل، يعني: أنهم لن يدخلوا الجنة.
هذه أيها الإخوة! هي مختصرة من قضية غمرات الموت من الدليل العقلي.