من أسس التربية: العدل والتسوية في العطية والتعامل بين الأولاد؛ لأنك إذا جُرت فإنك تحمل هذا الذي ظلمته على عقوقك، ففي الصحيحين أن والد النعمان بن بشير جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يريد أن يشهده على عطية أعطاها لبعض ولده، فقال: (يا بشير! أكل بنيك أعطيت مثل هذا؟ قال: لا، قال: اذهب فأشهد غيري فإني لا أشهد على زور) هذا زور؛ أن تعطي ولدك وتترك الثاني، حتى لو كان ولدك الثاني لا يقدم لك خدمة ولا يبرَّك ولا يحسن إليك، فلا ينبغي أن تعاقب العاق بحرمانه من حقه، لا.
فالذي يعاقبه هو الله، أما أنت فتعطيه حقه الذي أعطاه الله سبحانه وتعالى له، وإذا وهبت واحداً منهم دون الآخر فقد ظلمت وجرت، وهذا مما يسبب لك سوء الخاتمة، والعياذ بالله.
قد يلاحظ الإنسان على بعض أولاده شيئاً من الأخطاء، مما لا يرتاح له، فلا ينبغي للإنسان أن يثور وينفعل ويتأثر ويدعو على ولده، كما يفعل بعض الناس، بل عليه أن يصبر ويتحمل ويغض الطرف ويدعو للولد بالهداية؛ لأن في الحديث عند مسلم عن جابر رضي الله عنه قال فيه عليه الصلاة والسلام: (لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على أموالكم، فتوافقوا ساعة يُسأل فيها الله فيستجيب لكم).
لا تدع، بل لا تقل: الله يهلكك الله يجعلها في وجهك الله ينتقم منك، وأنت كاذب غير صادق، وما تريد أن يهلكه الله، ولا أن ينتقم منه، بل قل: الله يهديك الله يصلحك الله يوفقك يا ولدي! الكلمة الطيبة أحسن من الكلمات الباطلة؛ لأنك قد تقول هذه الكلمة وأنت لا تقصدها، فقط تريد أن ما في قلبك، لكن الله ليس على ما تريد، قد تقولها وتخرج مباشرة.
يخبرني أحد الناس في قصة له: عنده ولد يدرس في الجامعة، والولد هذا صالح ملتزم متدين مبارك، ومن أحسن الشباب، ولكن سبحان الله! يقول: نحن نائمون، وإذا به يأتي، يقول: يا أبي! قال: نعم، قال: أنا تعبت من المذاكرة وأريد أن أخرج وأعمل جولة بالسيارة ثم أرجع، قلت له: يا ولدي! لا تخرج الله يهديك؛ الناس الآن نائمون، وأنت لابس ثوب نومك الآن، لماذا تريد الخروج؟ قال: فقلت له: لا.
يقول: فما راجعني.
الولد بار وطيب، فذهب ولكن عندما رجع رأته أمه، قالت: ماذا بك؟ قال: طلبت من أبي أن أخرج لأروج عن نفسي فرفض، قالت له: اصبر، أنا أجعله يوافق، طبعاً الأم لها ضغط، فدخلت الأم وكلمت الأب، وقالت له: ولدنا طيب، وفيه خير، وأنت دائماً تعقده، دعه يخرج ليغير جو المذاكرة ويرجع الآن، ولا زالت تضغط عليه حتى وافق، قال: فليذهب (الله لا يرده) يقول: قلتها والله وما أنا صادق، وبودي أن الشوكة التي تدوسها رجله تدخل عيني، لكن يقول من إحراجها لي، ومن إحراجه هو لأمه جاءني غضب شيطاني.
قلت: فليذهب (الله لا يرده) يقول: وكأنها خرجت من فمي وباب السماء مفتوح، وراح الولد وجلسنا ننتظر ساعة -هو قال: نصف ساعة- ونحن ننتظر ساعتين ثلاث ساعات أذن الفجر وما أتى الولد، يقول: انطعن في قلبي مثل الرمح وعلمت أنها الدعوة، ويقول: أخرج أصلي الفجر وأرجع البيت، أسأل: جاء؟ قالت الأم: ما جاء، يقول: ذهبت للشرطة، أبلغ: ولدي خرج وإلى الآن ما عاد، هل عندكم علم؟ قالوا: لا علم لنا، اتصلوا بالأجهزة، قالوا: يوجد حوادث مرورية، ووفيات في المستشفى، يقول: ذهبت إلى المستشفى، فتحوا الثلاجة وإذا بابني بثوب النوم آخر واحد عند باب الثلاجة، حصل له حادث مروري في منعطف وهو راجع، يقول: فأخذت الولد وأخرجناه ودفناه، ولكني عرفت أنني أنا الذي قتلت ولدي! أنا الذي دعوت عليه واستجيبت! يقول: فإن أندم على شيء في حياتي فعلى تلك الكلمة! فانتبه يا أخي، لا تقل: الله يهلكك، لا تقل: الله يجعلها في وجهك الله لا يردك لا.
بل قل: الله يردك الله يهديك الله يصلحك الله يوفقك، والكلمة واحدة تريدها حسنة أو سيئة، لكن الحسنة أحسن من السيئة.
والبعض منا يلفت نظري إلى أن هذا الأسلوب ربما يكون أكثر عند النساء وهو حق؛ لأن بعض النساء ما تتورع في الدعاء، تدعو على ولدها، أو زوجها، أو دابتها، أو خادمتها، أو تدعو على كل شيء بل بعض النساء تدعو على لقمتها إذا وقفت في حلقها، قالت: (الله يجعلك بلاء) -والعياذ بالله- ما يسلم منها أحد، فلا تدعي أبداً على شيء، وادعي الله بالصلاح وليس بالدمار، والعياذ بالله.