من كمال ثقته صلى الله عليه وسلم بربه أن الله لن يتخلى عنه، قال لهم: غداً آتيكم بالجواب، ونسي صلى الله عليه وسلم أن يقول: إن شاء الله؛ لأن مشيئة الله مطلوبة في الأمور المستقبلية؛ ولأن الحكم والمشيئة والإرادة له، ولا يوجد أحد في الدنيا يملي على الدنيا شيئاً، حتى ولو كان رسوله.
فلما نسي أن يقول: إن شاء الله، وذهب الكفار، وجاء اليوم الثاني ولم يأتِ الوحي في الليل، وكان الوحي لا ينقطع لحظة، ففي كل حدث يأتي الوحي، لكن في أحرج المواقف وفي موقف مصيري يترتب عليه إسلام مكة أو كفرها ما جاء الوحي.
فلما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، قالوا: أين الإجابة، قال: ما أتاني شيء من السماء، قالوا: بطل سحر ابن أبي كبشة.
أبو كبشة هذا زوج حليمة السعدية، من بني سعد، فكانوا ينسبون الرسول إليه من باب الاستضعاف والاحتقار له، قالوا: بطل سحره، يعني: ليس بنبي، إذ لو كان نبياً لجاءه الوحي، وضاق النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه صادق ويحتاج إلى هذا الموقف لكي يثبت صدقه، وينصر دين الله، لكن الوحي تخلى عنه، قال: غداً، ونسي أن يقول: إن شاء الله، وجاء اليوم الثاني ولم يأتِ الوحي الثالث الرابع الخامس ومرت على النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة وانقطع الوحي من السماء -لا إله إلا الله!! - وهذا من باب التربية؛ لأن الله سبحانه وتعالى هو المربي والمؤدب للنبي صلى الله عليه وسلم، يقول في حديث: (أدبني ربي فأحسن تأديبي) فغلطة مثل هذه جاء فيها تأديب بقطع الوحي خمسة عشر يوماً، يقول الله سبحانه وتعالى بعدها: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الكهف:23 - 24].
مهما كان الأمر في يدك، ومهما كان في قدرتك، فإن الأمور التي في قدرتك ومشيئتك مقيدة بقدرة الله ومشيئة الله، فقد تشاء أنت ولكن الله لا يشاء، وقد تريد شيئاً أنت ولكن الله لا يريد، فمن تغلب إرادته، ومن تغلب مشيئته، أنت أم الله؟ الله.
ويكون هذا في الأمور المستقبلية التي سوف تأتي، أما الأمور الماضية فلا ينبغي أن تقول: إن شاء الله، لماذا؟ لأن الله قد شاء، فلو أن شخصاً سألك: هل حضرت بالأمس درس الشيخ الفلاني؟ وأنت حضرته، تقول: نعم.
لا تقل: إن شاء الله، لماذا؟ لأنك قد حضرت الدرس وقد شاء الله، ولكن لو سألك: ستحضر الدرس الليلة؟ لا تقل: نعم.
قل: إن شاء الله؛ لأنك قد لا تحضر، وربما تخرج وفي الطريق يصيبك حادث أو عارض أو مانع! فلا تقولن لشيء مضى وانتهى: إن شاء الله، لكن في المستقبل لا تجزم على أي أمر، وهذا أدب نبوي من الله تعالى: {وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف:23 - 24].
يقال: إن رجلاً نزل السوق ومعه دراهم يريد أن يشتري له دابة، فلقيه صاحبه، قال: إلى أين؟ قال: أريد السوق، قال: ولم؟ قال: أشتري دابة -يركب عليها- قال: قل: إن شاء الله، قال: ولماذا أقول: إن شاء الله؟ النقود في جيبي والحمير ملء السوق، فلا داعي للمشيئة، فأنا سوف أنزل وأشتري، قال: حسناً، فنزل الرجل إلى السوق وسلَّط الله عليه لصاً فسرق النقود من جيبه! ولما جاء إلى مكان بيع المواشي واشترى له دابة وفاصل وانتهى، أدخل يده ليخرج الدراهم فلم يجد شيئاً -قد أخذها الرجل- فترك البيعة ورجع بدون دابة، وصاحبه كان يراقبه على الطريق يريد أن يرى ماذا اشترى، ولما مر قال: أين الدابة؟ أما اشتريتها؟ قال: سرقت الفلوس إن شاء الله، لكن الآن لا تنفع كلمة إن شاء الله -لا تنفع في الماضي- فكان لا يتكلم إلا بإن شاء الله، لماذا؟ لأنه وقع على قلبه، وأخذ درساً قوياً، بحيث لا يفعل شيئاً حتى في الماضي إلا ويقولون له: تغد! قال: تغديت إن شاء الله، لماذا؟ لأنه أخذ درساً.