الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد: أيها الأحبة في الله! هذه المحاضرة تلقى في جامع الشربتلي بحي الربوة بمدينة جدة، بعد مغرب يوم السبت الموافق 13/شعبان/1418هـ على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى السلام.
وقد جرى تقديم الموعد عن المعتاد في آخر كل شهر، وذلك لظروف الامتحانات، فإن السبت الأخير من هذا الشهر والموافق 27 يأتي في وسط الامتحانات، فرأى الإخوة في مركز الدعوة والإرشاد أن ييسروا على الناس حتى لا ينشغلوا، وحتى لا يحصل لهم حرج بين ضياع الدرس، أو ضياع متابعة أبنائهم، أو أداء امتحاناتهم إذا كانوا هم ملتحقين بإحدى المدارس، وكان هذا الرأي مناسباً إن شاء الله، ولكن ربما يفوت على بعض الإخوة الذين لم يطلعوا على الإعلان؛ لأننا لم نعلن في الدرس الماضي عن هذا الأمر نظراً لعدم التذكر.
يأتي هذا الدرس ضمن السلسلة الشهرية المعنونة بتأملات في السيرة النبوية، وعنوان هذه المحاضرة بالذات: من أحداث الهجرة الأولى إلى الحبشة.
وقد جاءت الهجرة في بداية الاضطهاد والحرب الضروس التي كان يشنها كفار قريش على الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى أتباعه من المؤمنين، وكان هذا في بداية السنة الرابعة من البعثة، حيث اشتدت الوطأة، ولم تزل تزداد يوماً بعد يوم حتى تفاقمت في أواسط السنة الخامسة، وضاق الأمر بالصحابة، وفكروا في حيلة تنجيهم من هذا العذاب الأليم، وفي هذا الوقت الحرج نزلت على الرسول صلى الله عليه وسلم سورة الكهف رداً على أسئلة طرحها المشركون على الرسول صلى الله عليه وسلم للتثبت من مصداقيته؛ لأنهم أرسلوا وفداً من مكة إلى يهود المدينة وقالوا: أنتم أهل كتاب، وهذا الرجل يدعي أنه نبي فارجعوا إلى كتبكم، فإن كان نبياً اتبعناه، وإن كان متقولاً كذاباً حاربناه، فنظر اليهود في كتبهم وعلموا أنه زمان نبي؛ لأن اليهود كانوا يعرفون صفات النبي صلى الله عليه وسلم كما قال الله عز وجل: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ} [الأنعام:20] ليس عندهم أي شك، لهذا قال الله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ} [البقرة:89] قالوا لوفد قريش: اسألوه عن ثلاثة أمور فإن عرفها فإنه نبي، وإن لم يعرفها فإنه متقول؛ سلوه عن فتية آمنوا بربهم وزادهم الله هدى، وسلوه عن رجل صالح يحكم الأرض، وسلوه عن الروح، هذه الأسئلة الثلاثة لا يمكن أن تعرف إلا عن طريق الوحي، فرجع المشركون وقابلوا النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وعرضوا عليه هذه الأسئلة، والرسول صلى الله عليه وسلم: {مَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4].