الوصية الثانية: الالتفاف حول العلماء.
حذار أن تسيروا في طريق ليس معكم فيه عالم يدلكم على الله؛ لأن العالم خبير بالطرق، يعرف كيف يفرق، لكن إذا مشيت وأنت غشيم أو طالب علم، يسهل على الشيطان إضلالك، ولذا لا بد من أن تلتف حول عالم رباني تثق فيه، وإذا أشكل عليك شيء فتقول له: الأمر كذا وكذا فما هو الحل، لا تتصرف من عندك، وإن قوماً شككوا في قدرة العلماء وزعزعوا قدرة المسلمين في العلماء، فكانت نهايتهم الهلاك، لماذا؟ لأن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في الذين ينالون منهم معلومة، العلماء واجهة الإسلام والدين، فالجأ إليهم وتعرَّف عليهم، العالم ينظر إلى المسألة من منظور واسع، ويعرف الدليل والمطلق والمقيد، والعام والخاص، والناسخ والمنسوخ، ما صحة هذا الدليل؟ لكن طالب العلم يأخذ الدليل ويحدث منه الخطأ في فهمه فكان لا بد أن يتعلم العلم على يد عالم حتى لا يخطئ.
هل سمعتم بأن ممرضاً تخرج من معاهد التمريض يعمل عمليات؟ ما رأيكم؟ لا يعمل عملية، ما هي مهمة الممرض؟ يضرب إبرة، وإذا جاء على جرح صغير فقط يكشف عليه ويضع عليه مرهماً أو مطهراً فقط، لكن إذا كان الجرح عميقاً أو المرض خطيراً فماذا يقول؟ يقول: والله هذا ليس عملي؛ اذهب للطبيب! والطبيب العام يقول: هذه ليست لي اذهب للجراح، والجراح يقول: والله لا أستطيع اذهب للأخصائي، لماذا؟ لأن الجرح عميق.
هذا حماية لأجسادنا، لكن لديننا، لا.
كل واحد طبيب وجراح يشق البطون ويحدث ديناً، ولم نسمع من يقول: اذهب للشيخ أو للعالم؛ لأنه يخجل، لو قال: اذهب للشيخ معناه أنني لست بعالم، وأنا أريد أن أصير عالماً (مع الخيل يا شقراء) وهو أجهل من ثور أهله، فيضل الناس بغير علم.
أحد طلبة العلم سمع حديثاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفهم منه غير مراد الرسول صلى الله عليه وسلم منه وتوفي في القرية رجل ولما أراد الصلاة عليه جاءوا بهذا الشاب المؤمن، وقالوا له: صل صلاة الجنازة، فلما تقدم ليصلي قال لهم: هل عليه دين؟ قالوا: نعم.
قال: ولا يُصلى على مديون، ادفنوه بلا صلاة، فدفنوه بدون صلاة، وبعد ذلك أهل القرية قالوا: كلنا علينا ديون، أجل كلنا لا يصلى علينا، وجاءوا يسألون، قلت: أين الأخ؟ قالوا: هذا موجود معنا، قلت: كيف -يا أخي- قلت هذا؟ قال: ألم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (ما أنا بالذي أصلي على مدين) قلت: لكن ماذا قال في الحديث؟ قال: (صلوا على صاحبكم) أخذ نصف الحديث فقط، الحديث: أنه تقدم للصلاة على جنازة فقال: (هل عليه دين، قالوا: نعم.
قال: صلوا على صاحبكم ما أنا بالذي أصلي على مدين، فتقدم أبو قتادة، فقال: يا رسول الله! الدين عليَّ، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم) لأن صلاة الرسول شفاعة لا ترد، والدين مانع من دخول الجنة إلا بعد القضاء، فما أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يشفع في شخص عنده مانع من دخول الجنة، بعد فترة جاء أبو قتادة وقال الرسول له: (يا أبا قتادة! ما صنعت الدرهمان؟) يعني الدين.
قال: (يا رسول الله! ما مات إلا أمس، فسكت، لما جاء اليوم الثاني جاء، قال: ما صنعت الدرهمان؟ قال: قضيتها يا رسول الله! قال: والذي نفسي بيده الآن بردت عليه جلدته) فأخونا قال: لا تصلوا، وبعد ذلك قمنا كلنا وذهبنا نصلي عليه في المقبرة؛ لأن صلاة الجنازة تجوز على الميت في المقبرة، حتى لا يأتي شخص فيقول: لماذا.
الصلاة في القبور لا تجوز؟ الصلاة في القبور التي فيها ركوع وسجود لا تجوز، أما صلاة الجنازة فتجوز؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى على المرأة التي كانت تقم المسجد في قبرها.
فنريد فهماً متكاملاً لدين الله، لا نريد أنصافاً ولا شذوذاً، ونريد مع هذا الفهم نوعاً من اللطف، وعدم الحدة، وبعد ذلك تعذُر الناس، إذا رأيت شخصاً معه دليل ويخالفك احمله على المحمل الحسن، ولا تقم معركة بينك وبينه، هو له رأيه وأنت لك رأيك ودليلك، ولا تلزمه ولا يلزمك، فهذه وصية -يا إخواني- (أن نلتف حول العلماء)، والحمد لله بلادنا مملوءة بالعلماء الصالحين، ولا نزكيهم على الله، فهم الذين تطمئن إليهم قلوبنا، ونأخذ كلامهم كالثلج على القلوب؛ لأن فيهم القدوة، والصلاح، والعلم والعمق في الدين.
هل تعلمون أن هناك بعض البلدان الإسلامية يفتقر فيها الشباب إلى العلماء القدوة؛ لأنه يريد أن يستفتي الشيخ وإذا بالشيخ يعمل المنكر، ويرى ابنة الشيخ تغني وترقص، ويجد الشيخ حالقاً للحيته، يقول لي أحد الشباب: ذهبت إلى عالم أريد أن أسأله في الدخان، ويوم أن دخلت وجلست عنده وقبل أن أتكلم قدم لي الدخان، يقول: تفضل، يقول: كيف أسأله وهو يرحب بي بالدخان؟! لكن -الحمد لله- في هذه البلاد لا تزال فيها علماء قدوة نقتدي بهم، لكن المهم أن تحتك.