أولها: الثبات على دين الله، وللثبات على دين الله أسباب كثيرة منها: أول وأعظم سبب: الاعتصام بكتاب الله، إذ لا يمكن أن يزيغ من كان مع الله في كتابه، والدليل قوله عز وجل في سورة الفرقان: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} [الفرقان:32] ماذا قال الله؟ قال: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان:32] فالقرآن وسيلة عظيمة من وسائل التثبيت، ومما يحز في النفس أن نسمع أن من إخواننا الطيبين من يمر عليه الشهر دون أن يختم القرآن، وهذا يعتبر هجراً لكتاب الله، أقل ما يمكن أن تختم في كل ثلاثين يوماً مرة واحدة، أن يكون وردك اليومي جزءاً من كتاب الله، أقل شيء وهذا الحد الأدنى، بعده اختم في كل شهر ثلاث مرات، اختم في كل عشرة أيام مرة، اختم في كل أسبوع مرة، اختم في كل ثلاث أيام مرة، ولا تزد على ذلك؛ لأن من قرأه في أقل من ثلاث لا يفقهه، ومن مكث ثلاثين يوماً ولم يقرأه فيخشى عليه أن يكون ممن قال الله فيهم: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً} [الفرقان:30].
وطبيعي أن كل واحد منكم يعرف نفسه: هل هو يقرأ بمعدل جزء في اليوم أم لا؟ لا بد أن تقرأ في كل يوم جزءاً، كيف ذلك؟ أحد الإخوة عنده طريقة لطيفة جداً، فيبدأ التلاوة مع أول الشهر، مثلاً اليوم في الشهر أربعة عشر، فيقرأ في هذا اليوم الجزء الرابع عشر، غداً يقرأ الجزء الخامس عشر وهكذا، كل يوم من أيام الشهر يقرأ جزءاً من أجزاء القرآن، إذا كان الشهر ثلاثين أكمل الثلاثين مع الشهر، وإذا كان الشهر تسعة وعشرين ففي يوم تسعة وعشرين يقرأ جزأين التاسع والعشرين والثلاثين، ثم يبدأ أول يوم في الشهر وهو في الجزء الأول يحل ويرتحل مع الله، هذا أمان من الانحراف والضلال.
ويقرأ قراءة مع التدبر، قال ابن مسعود رضي الله عنه: [لا تقرءوا القرآن كقراءتكم للشعر، ولا تنثروه نثر الدقل، ولكن قفوا عند عجائبه وحركوا به القلوب] فتقرأ القرآن بتدبر وترتيل وتفهم، وإذا أشكل عليك شيء من كلام الله وفهمه، من سبب نزول أو تفسير لآية فارجع إلى كتاب عظيم اسمه أيسر التفاسير للشيخ أبو بكر الجزائري؛ لأنه عالم اطلع على كل التفاسير وجمعها وأتاك بالزبدة ووضعها لك، فقط اقرأ وتمتع، لا تتعب أبداً، وهو عالم موثوق صاحب عقيدة وأخلاق وسلوك، ولا نزكي على الله أحداً، نحسبه كذلك والله حسيبه.
يكون معك مصحف في سيارتك ومكتبك ورأسك، وأنا أرى أن أحسن وقت للتلاوة بعد صلاة الفجر أو بعد صلاة العشاء عندما تريد أن تنام، أو في أوائل الصلوات، أي: تأتي قبل الظهر، والعصر، والمغرب بنصف ساعة فتصلي ركعتين ثم تقرأ القرآن وتستعد، فتقام الصلاة وأنت منشرح الصدر، لكن بعض الناس يجلس إلى أن تقام الصلاة ثم يأتيك وكأنه مطارد، أين أنت يا أخي؟! ماذا يمنعك؟! الشيطان يلعب بك ويلبس عليك ويقول: اصبر اصبر، لا.
الأصل أن تأتي قبل أن يؤذن المؤذن، يقول أحد السلف: لا تكن عبد سوء لا يأتي إلا حين يدعى.
كلنا الآن عبيد سوء إلا من رحم الله، لا نأتي إلا بالداعي، بينما سعيد بن المسيب رحمه الله يقول: [منذ أربعين سنة ما سمعت النداء من خارج المسجد، ولا نظرت إلى ظهر مصلٍ] لا يعرف إلا الصف الأول، فهؤلاء عباد الله الصالحين، فلا بد أن تقرأ القرآن.
هذه واحدة.
الثانية من وسائل التثبيت: دراسة قصص الأنبياء، لأن قصص الأنبياء فيها عبرة: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ} [الفرقان:32] {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثاً يُفْتَرَى} [يوسف:111] وأنت تأخذ دروساً عملية ليست من نسج الخيال، ولكن من واقع التطبيق العملي على يد أشرف فئة اختارهم الله من خلقه وهم الأنبياء، وتأخذ منهم القدوة، تأخذ القدوة في العصمة من يوسف، حينما قالت له امرأة العزيز: {هَيْتَ لَكَ} [يوسف:23] ماذا قال: {قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ} [يوسف:23] فقط.
فإذا كان هناك امرأة أشارت لك أو اتصلت بك، قل: معاذ الله.
أن تصنع هذا الفعل الشنيع، أو أن تتصل بالكلام الباطل، أو أن تنظر إلى الحرام، تأخذ القدوة من كل الأنبياء، يقول الله عز وجل: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} [هود:120].
الثالثة من وسائل التثبيت: فعل أوامر الله وترك نواهيه، فلا تترك لله أمراً، ولا ترتكب لله نهياً، ما هو الدليل؟ قال عز وجل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:66] أعظم تثبيت لك على الإيمان أن تفعل ما وعظك الله به، من فعل طاعة وترك ومعصية، أما أن تترك الطاعات وترتكب المعاصي وتقول: أريد من الله أن يثبتني، فلا.
كيف يثبتك وأنت لم تثبت؟! اثبت يثبتك الله؛ لأن الله يقول: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا} [إبراهيم:27] ما قال: يثبت الله الذين كفروا، أو الذين ضلوا، أو الذين زاغوا وانحرفوا، لا.
{الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم:27].
الرابعة: الدعاء: وهذا هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يقول: (يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على طاعتك) فباستمرار اجعل هذا الدعاء في صلب دعائك، في الليل والنهار والسجود والسحر، وكل مناسبة، قل: يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلبي على طاعتك، وقد ذكر الله هذا عن عباده المؤمنين الذين يقولون: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8].