سادساً: من أسباب الانتكاس: التقصير في حق البدن، وفي حق النفس، وفي حق الأهل، وفي حق الأولاد، بسبب اشتغال الإنسان العامل للإسلام بضخامة الأعباء من ندوات ومحاضرات، وقراءة وزوار وزملاء يذهبون ويرجعون، بعد ذلك لا ينام ولا يأكل، ولا يغسل ثيابه، ولا يجلس مع زوجته، يستمر مثل المنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، ما أخذ محطة راحة، الآن عندما تأخذ مكينة وتشغلها أربعة وعشرين ساعة ماذا يصير؟ سوف يحصل لها خلل، لكن عندما توقفها عن العمل وتجعلها ترتاح لا يحصل لها شيء، فمكائن الكهرباء تعمل ثمان ساعات ثم يطفئونها ويشغلون مكينة أخرى حتى تبرد الأولى وهكذا، وكذلك نفسك تحتاج إلى محطات راحة، فعدم إعطاء النفس حقها يسبب لها الخلل والتوقف، وترى بعد ذلك الشخص الذي كان يعمل بجهد قد انتكس -والعياذ بالله- ولو أنه مشى على مهله وأعطى حقه وحق نفسه وحق أهله، لكان معتدلاً.
وحق النفس مثل الخروج بالأهل في نزهة إلى الصحراء أو إلى البحر، بشرط ألا يختلط مع أناس، ولا يحدث منكراً، ولا تبرجاً، ولا تصويراً، ولا تضييع للفرائض، ولا يقع في معصية، فهذا حسن فالأنس بالأهل والسمر والجلوس معهم، شيء حث عليه الإسلام.
يقول عليه الصلاة والسلام: (إن لربك عليك حقاً، وإن لنفسك عليك حقاً، وإن لأهلك عليك حقاً فآتي كل ذي حق حقه) رواه البخاري في صحيحه، كن معتدلاً، لكن أن تعطي الحقوق كلها لله وتترك أهلك ونفسك فالله لا يريد منك هذا؛ لأنه غني عنك، فلا بد أن تعدل بالقسمة، حق الله لا تقدم عليه أي حق، وحق نفسك لا تضيعه من الراحة والاستجمام والهدوء والانبساط والأكل الطيب، والدابة الطيبة، والمركوب الطيب، والثوب الطيب، والفراش الطيب، هذا كله طيب يبعث فيك قوة ونشاطاً وتجديداً لحياتك، ومن حق زوجتك وأهلك أن يفرحون بك، فبعض الإخوان أهله لا يرون منه شيئاً، كلما دخل المنزل دخل ومعه زميل، ليس منظماً لوقته ولا منسقاً في وضعه، لا يستقبل المكالمات في وقت معين، ولا يستقبل الزوار في وقت معين، ولا يخرج مع الإخوان في وقت معين، بل يخرج كل وقت، ويستقبل كل وقت، وينام كل وقت، وبعد ذلك أهله يريدون بعضاً من وقته فلا يجدون، وكلما طلبوا منه شيئاً قال: لا أستطيع أنا مشغول، زوجته معه في عذاب، تتمنى زوجته أن ينتكس من أجل أن يعود ليجلس معها بل تدعو عليه -والعياذ بالله- فلابد من إعطاء النفس حقها؛ لأن هذا سبب من أسباب التثبيت إن شاء الله.