النبي صلى الله عليه وسلم ذكر في هذا الحديث مرحلتين ينبغي للمؤمن أن يحرص على أن يكون في إحدى هاتين المرحلتين، أو في إحدى هاتين الحالتين، ويخطأ ويظلم نفسه من يخرج عن دائرة هاتين المرحلتين: المرحلة الأولى: أن يكون في الدنيا كأنه غريب، مستعد للرحيل، ينتظر انقضاء وقت سفره، وانقضاء عمره؛ ليعجل السير إلى ربه، وليعجل السير إلى بلده، فإن الناس ليست هذه بلادهم، ولا هذه قرارهم، بل قرارهم ما ذكره الله جل وعلا في قوله: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:7]، هذا منتهى حال الناس، فريقان: فريق في الجنة، وفريق في السعير، نسأل الله أن نكون من أهل الجنة! فينبغي للمؤمن أن يستحضر هذه الغربة وأن تكون منه على بال، وأن تكون معه على خاطر، وألا يغفل ببنيات الطريق، وما في هذه الدنيا من الملاهي والملذات، فإن هذه الملاهي والملذات عوائق تضرك وتمنعك عن مواصلة سيرك.
الأمر الثاني أو المرحلة الثانية التي ينبغي للمؤمن أن يسعى إلى تحقيقها: أن يكون عابر سبيل أي: أن يكون في حاله وشأنه واستعداده للآخرة، واستعداده لبلوغ قصده ذلك؛ مثل الذي سار في طريق فاستظل تحت ظل شجرة ثم ذهب وتركها.
أيها الإخوة! إن عابر السبيل أقل أثقالاً من الغريب، فالغريب قد يسكن، وقد يستقر لبرهة من الزمن، وقد يشتغل بما يشتغل به المقيمون، لكن عابر السبيل مظاهر التعب والسفر عليه بادية، وقلبه بسفره مشغول، لا يأنس إلى أحد، ولا يأوي إلى أحد، بل همه وشغله بلوغ غايته وقصده.
وكلنا يسعى ويشتغل بالوصول إلى رحمة الله عز وجل، إلى جنة عرضها السموات والأرض، فالواجب على كل أحد أن يشتغل بهذه الغاية، وأن يسعى إلى تحقيقها، قال الله جل وعلا: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، هذه هي غاية الوجود، هذا هو المقصود من هذه السماوات والأرض، والإنس والجن، والذكر والأنثى، المقصود تحقيق العبودية لله سبحانه وتعالى، فهل نحن مشتغلون بالغاية لندرك المطلوب أم نحن غافلون عنها فيفوتنا خير مطلوب وهو الجنة التي وعدها الله عز وجل عباده المتقين؟ إن المرحلة الثانية مرحلة كمال، ولكنها مرحلة تحتاج إلى رجال، تحتاج إلى حضور قلب، ودوام مراقبة، ودوام ملاحظة، حتى لا يغفل الإنسان؛ لأن المسافر في سفره قد يشتغل بعض الأحيان بما يلهيه عن بلوغ مقصوده، وبما يعوقه عن الوصول إلى مكان إقامته وقراره، فينبغي له أن يكون دائم الملاحظة، دائم المراقبة، دائم العناية بقلبه ونفسه وسيره وقصده، هل هو على الجادة أم أنه متخلف؟ هل هو ساع في تحقيق المقصود أم أنه متأخر؟