أيها الإخوة الكرام! إن سؤالاً يتبادر إلى الأذهان، ولابد له من جواب وهو: إذا كانت هذه النصوص واضحة في أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أسعد الناس، وأنه صلى الله عليه وسلم حصل الكمال في انشراح الصدر، ووضع الوزر، ورفع الذكر، وأن طريق السعادة هي الطريق التي سلكها صلى الله عليه وسلم؛ فلماذا يتخلف كثير من الناس عن سلوك هذا الطريق؟ إن الجواب على هذا السؤال هو ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام مسلم في صحيحه: (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات).
إن الطريق فيه نوع صعوبة لاسيما في مبادئه، فطريق تحصيل هذا النوع من السعادة فيه عسر وصعوبة، يحتاج إلى مجاهدة نفس، ويحتاج إلى أن يتخلى الإنسان عن مألوفه، وما اعتاده وما شب عليه وتربى عليه، والنظر إلى هدي النبي صلى الله عليه وسلم في قيامه وقعوده، في ذهابه ومجيئه، في دخوله وخروجه، في نومه واستيقاظه، في معاملته لربه ومعاملته للخلق وفي جميع شأنه؛ وإذا نظر إلى ذلك فإنه يحتاج إلى عزم أكيد، ورغبة صادقة، وجهد متواصل؛ لإدراك ذلك الذي قرأه واطلع عليه، ولما كان الأمر يعسر على كثير من الناس كان أكثر الناس في تخلف عن سلوك هذا الطريق.
لكن يا أخي! اسلك هذا الطريق، واستعن بالله عز وجل، فإن الله سبحانه وتعالى إذا علم من عبده الصدق يسر له سبل الهدى، ويسر له سبيل الخير، وأعانه، وجعله يجني من ثمرات وبركات اتباع النبي صلى الله عليه وسلم خيراً كثيراً في الدنيا، يعينه ذلك على مواصلة الاتباع والاهتداء بهديه صلى الله عليه وسلم.
فأحثكم -يا إخواني- على قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وحفظ سنته، ومطالعة هديه، فإن السلف الصالح كانوا يمضون أوقاتاً طويلة، وأعماراً مديدة، في حفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وفي العمل بها، وفي طلبها، وكان أحدهم إذا بلغه الحديث عمل به؛ لكونه سمعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان في نفسه شيء من معناه، حتى أن الإمام أحمد رحمه الله عمل بسنة، وقال: لم أعمل بها إلا مرة واحدة لما بلغني الحديث، وكان رأيه رحمه الله خلافاً لما دل عليه الحديث لأحاديث أخرى، لكنه لم تطب نفسه أن يترك تلك السنة، وقد بلغه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها حديث.
ينبغي لنا -أيها الإخوة- أن نحرص على الاهتداء بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وأن نحتسب الأجر في ذلك عند الله سبحانه وتعالى، والطريق -ولله الحمد- ميسر وسهل، لكن يحتاج إلى عزيمة وجد، وصدق رغبة، والإنسان إذا استعان بالله أعانه، فليقرأ من الكتب الميسرة في عرض سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه مثل كتاب ابن القيم رحمه الله: زاد المعاد في هدي خير العباد، فإنه من أنفع الكتب التي جمعت لنا هديه صلى الله عليه وسلم وسيرته.
ومن ذلك أيضاً الكتب التي حفظت لنا نصوص أفعاله وأقواله صلى الله عليه وسلم، كرياض الصالحين، وبلوغ المرام، وما أشبه ذلك من الكتب التي ملأت بالأحاديث الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومما يعين الإنسان على اقتفاء هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن يحضر مجالس العلم، وأن يسمع أشرطة العلم، فإن فيها من بيان هديه صلى الله عليه وسلم وسنته ما يعين الإنسان على اقتفاء هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
واعلم -يا أخي- أنك لن تحصل بركة اتباع النبي صلى الله عليه وسلم من فعل سنة أو سنتين مرة أو مرتين، بل داوم واستمر وجاهد، فإنك إذا استمريت على ذلك وصبرت؛ وجدت بركة ذلك بعد حين.
فأسأل الله عز وجل أن يبلغنا وإياكم هدي رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن يعيننا على التزام سنته، وأن يسلك بنا سبيله، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.