الآن ننتقل إلى الحديث الثاني من أحاديث الباب في هذه الليلة، ألا وهو الحديث السابع والستون، وهو قوله: عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه كان يعطي الناس عطاءهم، فجاءه رجل فأعطاه ألف درهم، ثم قال: خذها فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إنما أهلك من قبلكم الدينار والدرهم وهما مهلكاكم) هذه السلعة التي نحن ندندن حولها في هذه الظروف، حيث قلنا: إن الإسلام لا ينهى عن جمع المال، وعن كسبه من طريق مشروع حلال، لكن المشكلة هذا الجمع، كم أولئك الناس الذين يتيسر لهم الجمع من طريق مشروع؟ ثم إن توفر لهم ذلك فكم هم أولئك الذين يصرفون هذا المال المكتسب من طريق مشروع في طريق مشروع؟! قليل جداً، كما سيأتي في بعض الأحاديث السريعة.
الآن هؤلاء الذين أغناهم الله من فضله بالمال قليل من ينجو منهم من تبعاته في جمع المال؛ لذلك كان ابن مسعود رضي الله عنه ينبه من يأتيه ليقبض عطاءه -أي: معاشه- وابن مسعود كان والياً على بعض البلاد، وأظن هذه البلاد الكوفة، فكان حينما يقسم العطاء للناس يقول له: [خذه ولا تغتر به] أي: لا يكن سبب إهلاكك، فإن الرسول عليه السلام قال: (إنما أهلك من قبلكم الدينار والدرهم وهما مهلكاكم) .
ليس المقصود بهذا الإخبار (وهما مهلكاكم) كل فرد من الأفراد، وإنما كمبدأ عام كما قلنا في آية: {أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:1] هذا هو الأصل، ولا ينجو من هذا إلا القليل، وذلك ما سيصرح به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قصة له مع أبي ذر رضي الله عنه.