Q هناك كتاب صدر حديثاً اسمه: الرأي الصواب في منسوخ الكتاب، وكاتبه ليس مِن حَمَلة العلم الشرعي، ومما كتبه في هذا الكتاب عن قضية الرجم للزاني المحصن، فقد حاول جاهداً أن ينسخ هذا الحكم، وردَّ حديثاً عند الإمام مسلم الذي هو حديث: (خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً) وكذلك -أيضاً- حاول جاهداً أن يثبت أن سورة النور نزلت في السنة التاسعة للهجرة، حتى يكون بذلك نزولُ السورة قد أتى بعد حوادث الرجم التي حصلت أيام النبي صلى الله عليه وسلم! الحقيقة: أن المفسرين لهم أقوال في هذه الآيات؛ لكنها في نهايتها لا تُثْبِتُ -في حدود علمي- الرجم، الآن نحن بحاجة إلى أن نثبت الرجم.
الشيخ: تريد أن تثبت الرد! ردُّ ماذا؟! السائل: الرجم! الشيخ: كيف لا تثبت الرجم، أنت ما قلتَ أنه ثبت في الحديث؟! السائل: نعم.
ثبت في الحديث؛ لكن قصدي أنا بالنسبة للرد على هذا الكاتب، نحن بحاجة إلى إثبات وقائع أو بعض المرويات بعد نزول سورة النور، وهناك كتاب صدر في الجامعة الإسلامية، وهو عبارة عن رسالة جامعية -في حدود علمي- في السعودية، والتي هي عن مرويات غزوة بني المصطلق، يثبت فيه صاحبه أن الراجح في سورة النور أنها نزلت في السنة الخامسة للهجرة، وبالتالي يكون رَجْمُ الغامدية وماعز قد حدث بعدها، فنحن بحاجة إلى إثبات بعض المرويات التي تثبت بعض وقائع الرجم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان في علمكم فأفيدونا وجزاكم الله خيراً.
الشيخ: قبل أن أجيبك: لماذا اهتممت بهذا الرجل، وأنت نفسك وصفته بأنه ليس من أهل العلم؟! لماذا اهتممت به؟! السائل: تريد الجواب؟ الشيخ: نعم.
أنا أسأل، أنت لماذا تسأل؟! السائل: أنا سألتُ بالتأكيد حتى أحصل على جواب.
الشيخ: وأنا كذلك مثلك.
السائل: نعم.
الحقيقة: لكثرة ما دار حوله من بعض الردود، وقد نُشِرَت في بعض الصحف منها: صحيفة اللواء، وأيضاً في الجامعة عندنا في كلية الشريعة تناولوا هذا الموضوع في بعض الدراسات.
الشيخ: أنت -بارك الله فيك- ينبغي أن تذكر حجة مَن يُنْكِر الرجم؛ لِنُبْطِلها، أمَا وأنت ذكرتَ بلسانك حجة مَن يُثْبِت الرجم في الحديث الصحيح! السائل: نعم.
الشيخ: إذاً ماذا تريد مني؟ السائل: أنا أريد فقط بعض المرويات عن حوادثَ للرجم.
الشيخ: لا بأس، لماذا؟ السائل: فقط للرد العلمي عليه؛ لأن بعض المزاعم في الكتاب لا تقوم على دليل.
الشيخ: أنا أنصحك أنت وغيرك ألا تهتموا بالرد على كل ناعق، هذا باب واسع لا نهاية له، اليوم أصبح العلم فوضى، كل مَن شَعَرَ بأنه يحسن أن يكتب عبارة، ولو كانت مُكَسَّرة من الناحية العربية تكسيراً، فهو يكتب ولا يبالي؛ لأنه لا رقيب ولا عتيد.
ولذلك فليس من العلم ولا من الحكمة في شيء أن يهتم الناس بكتابة أي كاتب إذا كان ليس له قدم، لا أقول راسخة، ليس له قدم في العلم، فضلاً عن أن أقول: ليس له قدم راسخة في العلم.
أما الجواب عن سؤالك فأنا أقول: يوجد في الصحيح عن علي رضي الله تعالى عنه [أنه جمع على امرأة زانية بين جلدها ورجمها] ، جمع فيها الحدين، وهذا الحديث يحارب صاحبك المبطل بسَيفَين؛ لأنه هو ينكر أصل الرجم، وسينكر من باب أولى الجمع بين الحدين، فسيدنا علي رضي الله عنه رجم امرأة بعد أن جلدها، وقال: [جلدتُها بكتاب الله، ورجمتُها بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم] هذا بعد وفاة الرسول بزمان.
هذا شيء.
الشيء الثاني: أنه صح عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال محذِّراً المسلمين: [سيأتي زمان يُنْكِر قومٌ الرجم، ولقد قرأناه في كتاب الله -وهو: ما يسمى عند العلماء بمنسوخ التلاوة- قرأنا: (الشَّيْخُ والشَّيْخَةُ إِذا زَنَيا فَارْجُمُوْهُما البَتَّة نَكالاً مِنَ اللهِ) ] هذا عمر بن الخطاب وكأنه يعلم الغيب، ولا يعلم الغيب إلا الله، ولكن هناك أحاديث يقول فيها علماء الحديث -في أحدها مثلاً-: هذا حديث موقوف في حكم المرفوع؛ لأنه لا يقال مِن قِبَل الرأي.
وحقيقةً: وُجِد ناس بعد أن انتشر مذهب أهل الاعتزال يعتقدون الضلال القائل بالتحسين والتقبيح العقليين، فقد أنكروا الرجم بالكلية، وأتْبَعوا هذا الإنكار بإنكار آخر، وهو أنه لا توجد آيات منسوخة التلاوة! لماذا ينكرون؟! لأنه غير مستساغ في عقولهم أن الله عز وجل يبتلي عباده بما يشاء، فعقلهم الذي جعلوه حَكَماً على الله، يقولون: ما حسَّنه العقل فهو الحسن عند الله، وما استقبحه العقل فهو القبيح عند الله، فهؤلاء ينكرون مثل هذه النصوص الصحيحة الثابتة بعقولهم المقيتة.
فـ عمر حينما قال: [سيأتي زمان يُنْكِر قومٌ الرجم، ولقد قرأناه في كتاب الله] فهي من منسوخ التلاوة.
وهناك أحاديث أخرى غير قليلة فيها نصٌ -أيضاً- على أنها كانت مما يُتلى، من ذلك: أن الرضاع المحرم كان عشراً، وكان مما يُتْلى، ثم نُسِخَ وجُعِل الحكم أن الخمس رضعات هن المحرِّمات.
هذا ما يحضرني الآن من بعض النصوص تحقيقاً وجواباً لطلبك.
ثم قبل أن أُنْهِي الجواب عن هذا السؤال ألفت النظر؛ لأن كثيراً من الكتَّاب اليوم يقلبون الحقائق الشرعية، فالأحاديث التي تروَى بالأسانيد الصحيحة يرفضونها، والتواريخ التي تروَى بالأسانيد المنقطعة يجعلونها أصلاً، فالكاتب منهم لا يستطيع أن يثبت تاريخ هذه الوقعة، أو غيرها، إلا أن يقول فلان من المؤرخين: وقعت سنة كذا، ومَن كانت له دراسة في السيرة سيجد اختلافاً كثيراً جداً في تحديد كثير من الوقائع والحوادث وبخاصة من الغزوات.
ولذلك فطالب العلم يجب أن يتنبه لهذه الدقيقة، فإذا كان هناك تاريخ يحدد حادثة، وهناك حديث ظاهره أنه يختلف مع تاريخ الحادثة، فلا تقِمْ وزناً للتاريخ؛ لأنه لم يروَ بالسند، وإنما أقِمْ وزناً للحديث الذي روي بالسند.
وأنا يحضرني الآن مثال في هذا: هناك حديث في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (بينما نحن نصلي وراء رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، إذْ برسول الله صلى الله عليه وسلم يُسَلِّم على رأس ركعتين -والعصر أربعاً، وقد صلاها ركعتين-، ثم انتحى ناحية من المسجد -حتى إن الراوي يصف أن الرسول عليه السلام وضع إحدى رجليه على الأخرى ليستريح- فقال رجل يُعْرَف بـ ذي اليدين: يا رسول الله! أقَصُرَت الصلاةُ أم نسيتَ؟ قال عليه السلام: كل ذلك لم يكن، قال: بلى يا رسول الله، قد كان، فنظر في الصحابة وفيهم أبو بكر وعمر أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم.
فرجع إلى مصلاه -ولا أقول: إلى محرابه؛ لأنه لم يكن في مسجده محراب، وهذه فائدة على الماشي- فعاد إلى مصلاه وجاء بالركعتين، وسجد سجدتين وسَلَّم) انتهت القصة.
في هذه القصة خلاف بين الفقهاء قديماً وحديثاً: ذو اليدين تحدث مع الرسول، والرسول تحدث مع الصحابة: (أصدق ذو اليدين؟ قالوا: نعم) ، فكيف -مع هذا الحديث- يرجعون فيصلون مع الرسول ركعتين أخرَيَين، والسلام عليكم، وانتهت الصلاة بسجدتي السهو؟! إذاً: هذا الحديث يؤخذ منه: أن الكلام لا يُبْطِل الصلاة! لا.
بل اتفق العلماء جميعاً أن الكلام في الصلاة عامداً متعمداً يبطلها، واختلفوا فيما إذا تكلم المتكلم في الصلاة ناسياً، أو جاهلاً، أو مصلحاً للصلاة: فالمذهب الشافعي يقول: لا تبطل الصلاة بمثل هذا الكلام.
والحنفية يقولون: تبطل.
هنا الشاهد: ماذا يقول الحنفية في حديث أبي هريرة هذا؟ يقولون: كان هذا قبل نسخ الكلام في الصلاة، أي: كانت هذه الواقعة قبل نسخ جواز الكلام في الصلاة، والدليل أن ذا اليدين هذا مات في وقعة بدر، هنا الشاهد! وأبو هريرة أسلم في وقعة خيبر، فوقعة خيبر هذه إذاً متأخرة عن وقعة بدر، فعلى ماذا استندوا في كون ذي اليدين مات في وقعة بدر؟ استندوا على تاريخ.
هنا تجد بعض المؤرخين يقولون: لا.
هذا القول رواه الزهري هكذا مرسَلاً معضَلاً، أي: إن القول بموت ذي اليدين في وقعة بدر رواه الزهري بدون سند، وأبو هريرة يقول صراحة: (بينما أنا أصلي وراء الرسول ... ) ، وأبو هريرة أسلم بعد أو في حادثة خيبر؟ إذاً: هذه الحادثة متأخرة عن النهي عن الكلام.
فإذاً: النهي عن الكلام المقصود به الكلام الذي ليس عن عذر الجهل، أو عذر النسيان، أو عذر إصلاح الصلاة، فإذا كان الكلام بسبب من هذه الأسباب الثلاثة فلا يبطلها.
أما الكلام كقولك: هات الكتاب، وخذ الغرض إلخ، وأنت تصلي، فهذا هو الذي يبطل الصلاة.
هذا مثال لاختلاف الرواية ذات السند الصحيح عن التاريخ المرسَل المعضَل؛ لذلك عندما تقرأ كتاباً يجب أن تنتبه إلى أن هذا التاريخ -يا أخي- لا يُروى بالأسانيد الصحيحة، ولا أنه يجري مثل إن كان هناك تعارض بين التاريخ وبين حديث بإسناد صحيح.
خلاصة القول: الرجم ثابتٌ -أولاً- بالقرآن الذي نُسِخَت تلاوته وبقي حكمه، وثابتٌ بالسنة العملية التي نفَّذها الصحابة بعد وفاة الرسول عليه السلام، وجرى العمل -أيضاً- على ذلك من المسلمين الذين يقيمون الأحكام الشرعية حتى اليوم.
والله عز وجل يقول: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً} [النساء:115] .
لذلك هذا الكاتب وأمثاله لا ينبغي للمسلم أبداً أن يقرأ لهم كتاباً؛ لأنهم ليسوا بعلماء، وإنما هم من أهل الأهواء،