ربنا عز وجل خلق الرجل على خلقة، وخلق المرأة أيضاً على خلقة، فالمرأة ضعيفة، كثيرة الظنون، قال صلى الله عليه وسلم: (إن المرأة لا تستقيم لك على طريقة) إياك أن تتصور أن المرأة سوف تمشي معك كما تحب على طريقة واحدة.
فكل يوم المرأة لها طريقة، فإذاً ينبغي أن تعلم أن الله عز وجل خلق المرأة على هذا؛ فتعذرها، ولا تعامل المرأة كمعاملة الرجل لماذا؟ لأن خُلقها دون خُلق الرجل، وخَلقها دون خَلق الرجل، ومزاجها دون مزاج الرجل، فالنبي عليه الصلاة والسلام كانت هذه سيرته رفق ورحمة وسماحة، ومن ذلك حديث مسابقة النبي صلى الله عليه وسلم عائشة في غزوة من الغزوات.
وبصراحة: كم واحداً منا فعل مع امرأته هذا أو قريباً من هذا؟ الكثير من الناس يرى الرفق بالمرأة يجرئها عليه وإذا قسى عليها لانت له واحترمته، ولذلك لابد أن تعامل معاملة قوية وحاسمة، وهذا خلاف هدي النبي عليه الصلاة والسلام.
ولنا في حديث أم زرع درس تربوي عظيم، ويظهر مدى وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على أعلى وأرقى الأخلاق، وتبسط مع عائشة رضي الله عنها وسمع منها هذا الحديث الطويل برغم أنه محمل ومثقل بأعباء الدعوة إلى الله عز وجل.
والبخاري بوب على هذا الحديث -حديث أم زرع - قال: (باب السمر مع الأهل).
بينما من الناس من يرى أن المرأة كل حكاياتها ليست مهمة، ويقول -بكل تبجح- آتي أحط دماغي لكي أستريح ثلث ساعة، وهي تشغلني بهذا الكلام الفارغ! فنقول لهذا وأمثاله: هذا الرجل الذي لم يتأدب بأدب النبي عليه الصلاة والسلام بينما الرجل العاقل هو الذي يشعرها بحلاوة حديثها، والاستماع فن! الاستماع فن! المرأة لما تحكي لك صبر نفسك ثلث ساعة، صبر نفسك ربع ساعة لما تحكي لك مثل هذه الحكايات، لأن هذه حياتها، وأنت طول النهار في الخارج، وهي طول النهار مع الأولاد، فأول ما يأتي زوجها تريد أن تتكلم معه أي كلام، فتفتح معه أي حوار؛ لأن الحياة الرتيبة ليس فيها شيء يستحق الحوار، فإذاً لابد أن تفاتحك بشيء كهذا.
وتأمل في هذا الخلق العظيم للرجل العظيم النبي عليه الصلاة والسلام في ليلة سمع عائشة رضي الله عنها تحكي حكاية أم زرع، فاختار النبي صلى الله عليه وسلم أجود مثال، وشبه نفسه عليه الصلاة والسلام به تطييباً لخاطر عائشة، بل أضاف إلى ذلك شيئاً من عنده عليه الصلاة والسلام تطييباً لخاطرها، قال لها: (كنت لكِ كـ أبي زرع لـ أم زرع -في رواية للنسائي - قالت: يا رسول الله! بل أنت خير من أبي زرع)، وفي رواية الزبير بن بكار قال لها: (كنت لكِ كـ أبي زرع لـ أم زرع، غير أني لا أطلقكِ) لأن أبا زرع طلق امرأته.
فالنبي عليه الصلاة السلام كان حسن العشرة جداً مع أهله وبه يجب الائتساء، قال سبحانه: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:21].
فمعنى أنه يتبسم عند أن سمع عمر يقول: (والأنصار تغلبهم نساؤهم) إذاً: رضي سيرة الأنصار مع النساء، فقال عمر رضي الله عنه: (يا رسول الله! لو رأيتني وأنا أقول لـ حفصة: لا يغرنكِ أن كانت جارتكِ أوضأ منكِ)، وهذا من أدب عمر رضي الله عنه في استخدام الكلام، ما قال: (ضرتكِ) إنما قال: (جارتك)؛ لأن الجار له حقوق، فالرجل المتزوج بامرأتين إذا ذكر إحدى امرأتيه للأخرى يقول: أختك، كما أنك -مثلاً- إذا ذكرت ابن أخيك لابنك تقول له: أخوك لماذا؟ لأن فيه استعطافاً.
ثم أنت لا تنقل شيئاً من حياتك في هذا البيت إلى هذا البيت، إذ أن هذا التصرف أكبر غلطة! وهو أن الرجل ينقل حياته ويتحدث عن تصرفاته في بيت إحداهن للأخرى.
وأنا في المشاكل أو الحالات التي رأيتها في البيوت التي فيها تعدد، وفيها عدم الاستقرار؛ في الغالب بسبب الرجل لماذا؟ لأنه يذهب يحكي حياته وعشرته مع المرأة الأخرى.
يأكل مثلاً طبيخاً معيناً -ملخوية مثلاً بالبامية- فيقول لها: تسلم يديكِ! البامية التي أنا أكلتها البارحة كانت حلوة مثل هذه أيضاً! يعني كأنك تريد أن تقول أنها مثلها؟! هي المرأة لا تقبل أصلاً هذا! حتى لو كانت دونها، يعني هذا أن حياتك هنا غير حياتك هنا.