إن هناك بيوتاً -بكل أسف- تتصدع كل يوم بسبب عدم الثقة، بينما الرسول عليه الصلاة والسلام كانت حياته عنواناً للود والوئام، والمعاملة المبنية على التفاهم والحوار وعدم تهميش الآخر.
المرأة تحتاج إلى مداراة، لكن ليس معنى المداراة أن تكذب وتقسم على الكذب، هذا لا يحل أبداً، المداراة: أنك توري بالكلام فقط، ولا تقسم على المداراة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وأن تركته ظل على عوج، فاقبلوهن على عوج).
وبما أن المرأة ضلع أعوج هكذا، فأنت لابد أن تتعوج لكي يتلاءم الشيئان على بعض، لو أنت مثل السيف، وهي -ربنا خلقها هكذا- (عوجاء) لا يحصل التطابق والائتلاف، فلأجل حياة سوية سعيدة عليك أن تجاريها وتداريها كي يحصل الائتلاف والشعور بالكيان الواحد.
فالنبي عليه الصلاة والسلام طالب الرجل أن ينزل من مكانته إلى المرأة، فقال عليه الصلاة والسلام: (إن المرأة خلقت من ضلع، وإن أعوج الضلع أعلاه فإن أردت أن تقيمه -أي: تجعله سوياً مثلك- كسرته) وأنا على يقين لو أن المرأة صارت كالرجل لطلقها الرجل لماذا؟ لأن الرجل ليس من الممكن أن يعيش مع رجل آخر في البيت، ويخضع له ويطيعه ويمتثل أمره، ويسعى لتوفير راحته؛ بخلاف المرأة، فإن كمالها في اعوجاجها، ونقصها الذي يحوجها إلى الرجل، ولا تستطيع الاستغناء عنه، وبذا يكون التكامل والبناء الواحد.
لكن لو استوت مثلك فلن تستطيعا أن تعيشا معاً أبداً.
فكذلك ينبغي على الرجل أنه يراعي هذه المسألة.
عاملوا النساء معاملة كريمة وتذكروا قول النبي عليه الصلاة والسلام: (إنكم أخذتموهن بكلمة الله) فمن الرجال من إذا تزوج المرأة يسب أباها وجدها وسائر قرابتها والله يا أخي! أنت ما تزوجت المرأة يوم تزوجتها من وليها على هذا، ولو كان أبوها يعلم أنك تسبه أو المرأة تعلم أنك تسبها وتسب أباها ما قبلتك زوجاً.
إذاً أنت لم توفِ بالعقد والعهد، فاحفظ العهد ووفِ بالعقد، العقد الذي هو كلمة الله تبارك وتعالى.
ثم قال عمر بن الخطاب: (يا رسول الله! لو رأيتني وأنا أقول لـ حفصة لا يغرنكِ أن كانت جارتكِ أوضأ منكِ) وعائشة كانت تلقب (بالحميراء) والحميراء: هي المرأة البيضاء التي يخالط بياضها حمرة، وليست بيضاء مثل الأعاجم الذين تحس أن بياضهم برص، وإنما كانت بيضاء بياضاً ناعماً مشرباً بحمرة، وهذا يعطي جمالاً.
فيقول: (لا يغرنك أن كانت جارتكِ أوضأ -الوضاءة: الجمال- وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم منكِ فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم مرة أخرى، قال عمر: فجلست) وهذا من فقه عمر، لأنه لابد أنك إذا حادثت رجلاً حزيناً، أن تستأنس قبل أن تجالسه وقبل أن تكلمه أول ما جلس عمر بن الخطاب جعلت عينه تدور في البيت قال: (فما رأيت فيها شيئاً يرد البصر غير أهبة ثلاثة -الإهاب: الجلد، أي: ثلاثة جلود هذا الذي كان في بيته عليه الصلاة والسلام- فقلت: يا رسول الله! ادع الله أن يوسع على أمتك، فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله.
وكان متكئاً فجلس -وهذا يدل على اهتمام النبي عليه الصلاة والسلام بما سيقوله؛ لأن الأمر الذي قاله عمر يستحق التعليق- قال: أوفي هذا أنت يـ ابن الخطاب -يعني أأنت تقول هذا وأنت الرجل في علمه، وفي قربه مني، وفي فقهه؛ وتقول مثل هذا الكلام- هؤلاء قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا}.
هنا مسألة أحب أن أجليها؛ لأنه حصل فيها خلط، كل الأحاديث التي تزهد في الدنيا بعض الغالين نفاها، وقال: ليس من الممكن أن المسلم يطلق الدنيا ويتزوج الخوالي، وأن أحاديث الزهد هذه أغلبها أحاديث قيلت في مناسبات مخصوصة لا ينبغي أن تعمم، وأنه ينبغي على المسلمين أن يمتلكوا الدنيا حتى يقاوموا أعداءهم ويقاتلوهم، وطائفة أخرى تركت الدنيا لأعدائنا فعلاً والحق بين الإفراط والتفريط.
أحاديث الزهد في الدنيا المقصود بها زهد القلب، وليس المقصود بها زهد اليد، المقصود بالأحاديث الحاضة على الزهد في الدنيا أن يزهد المرء في الدنيا بقلبه، وأن تكون الدنيا في يده، فإذا خلا قلبه من الدنيا وقصرها في يده كان كالطراز الأول من الصحابة رضي الله عنهم.
اليوم نحن نحتاج إلى هذا المال لإقامة حياتنا، ولا نستطيع أن نقاوم أعداءنا إلا بامتلاك هذا المال، وامتلاك السلاح، وامتلاك التكنولوجيا وهذه الأشياء، وهذا لا يكون إلا بمال، لكن لا ينطوي قلبك على حب الدنيا، كل هذه الأثرة التي ذكرها علماؤنا السالفون في أحاديث الزهد في الدنيا لاذعات قوية لا يستغني المرء عنها لسلامة قلبه.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (هؤلاء عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا) وليس معنى ذلك أننا نعيش فقراء، وأننا لا نبحث عن تحصيل دنيانا، الكلام هذا غير صحيح، لكن المقصود أن لا تغزو الدنيا قلوبنا، وعلى هذا تتنزل كل الأحاديث الحاضة على التجافي عن الدنيا وعدم التكالب عليها.
أسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا وإياكم بما علمنا، وأن يعلمنا ما جهلنا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.