مسألة الود هي مسألة خفية، وكذلك مسألة الولادة مسألةٌ خفية، يستدل عليها بشيء خارج، وهذه القاعدة قلناها في أكثر من مناسبة، لما ذكرنا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من سره أن يتمثل له الناس قياماً فليتبوأ مقعده من النار)، هذا السرور عمل قلبي، ونحن لا نستطيع أن ندرك أعمال القلوب، فما الذي يؤكد لي أن هذا الرجل مسرور أو غير مسرور؟ فقال العلماء: ينصب لذلك دلالةٌ وعلامةٌ في الخارج يعلق عليها الحكم، فإذا لم تقم له غضب، فالغضب علامةٌ خارجية أنت تراها، يجدر بك أن تعلق الحكم عليها، فإذا غضب لأنك لم تقم له، دل ذلك على مدلول قلبه وأنه يسر إذا قمت له، فلما كان عمل القلب خفياً لا يعلمه إلا الله، نصب لك دليلاً خارجياً تراه بعينك فتعلق عليه الحكم، كذلك الودود الولود.
الود والولادة نحن نصبنا شيئاً من الخارج مثل: البيت الذي يظلله الدين، والأم الولود، والأخت الولود، والخالة والعمة، فهذه كلها أشياء يصح أن تعلق الحكم عليها: (خير نسائكم من أهل الجنة الودود الولود).
ذكرت كلاماً مجملاً في الخطبة وهو: أن الولد يمثل الأواصر بين الزوج والمرأة، والرجل كلما أحب المرأة فإنه يحب أولاده منها، وإذا كره المرأة قد يكره أولاده منها، والعبارة دقيقة؛ لأن الرجل عادةً لا يكره ولده، لكن قد يكره أولاده منها، وأولاد الرسول صلى الله عليه وسلم كلهم من خديجة -ما عدا إبراهيم، فمن جاريته مارية - ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (ورزقني الولد منها إذ حرمني أولاد النساء) وأولاده صلى الله عليه وسلم من خديجة رضي الله عنها هم: القاسم، وبه تكنى صلى الله عليه وسلم، والطاهر، والطيب -على قول لبعض أهل العلم- وقال بعضهم: بل هو عبد الله وكان يلقب بـ الطاهر والطيب واتفق العلماء جميعاً على أن كل الذكور ماتوا صغاراً، والباقي نساء، وهن: زينب، ورقية، وأم كلثوم، وفاطمة، كلهن من خديجة رضي الله عنها.
ظل رسول الله صلى الله عليه وسلم زوجاً لثمانٍ وثلاثين سنة، منها: خمس وعشرون سنة مع خديجة، ومن كرامتها عليه أنه لم يتزوج امرأةً معها أبداً، وليس معنى هذا أن الرجل إذا تزوج على امرأته أنه لا يكرمها أو يضيع كرامتها، لم يتزوج عليها وهي حية، وبعد خمس وعشرين سنة تزوج بعدها النساء، أولهن: سودة، ثم عائشة نكحها بعد موت خديجة بثلاث سنوات، رضي الله عنهن جميعاً.
فالولد يمتن الآصرة، والمرأة إذا لم تلد تبحث عن كل سبيل ليرزقها الله الولد حتى تمتن الآصرة بينها وبين زوجها، وتظل خائفة إلى أن تلد.