من هديه صلى الله عليه وسلم في المزاح

كان النبي صلى الله عليه وسلم يمزح، ولا يقول إلا حقاً، وهذا هو الفرق بينه وبين سائر الناس، إذاً: سن لنا هدياً حتى في المزاح صلى الله عليه وسلم، وإبراهيم عليه السلام سيد الحنفاء، قال صلى الله عليه وسلم: (لم يكذب إبراهيم إلا ثلاث كذبات: ثنتين في ذات الله) فسبحان الله! كذبة في الله، فما بالك بصدقه؟!! والنبي عليه الصلاة والسلام كان يمزح، ولا يقول إلا حقاً، فقد قال مرة لرجل: (إنا حاملوك على ولد ناقة، فقال: يا رسول الله! وما أفعل بولد ناقة -كيف أركب عليه-؟ فقال له: وهل تلد الإبل إلا النوق) وهذا الكلام صحيح، الجمل عمره مائة سنة، هو في الأصل ابن ناقة.

إذاً: يمزح ولا يقول إلا حقاً.

وما يروون عنه صلى الله عليه وسلم أنه لقي امرأة، فقال لها: (الحقي بزوجك فإن في عينيه بياضاً) -البياض في العين يعني العمى، قال تعالى: {وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ} [يوسف:84] (ابيضت) أي: صارت كلها بيضاء، وأنت تعلم أن الحدقة التي يرى الإنسان بها تجدها ملونة وليست بيضاء، فأول ما تبيضّ فهذا دليل العمى.

فقال لها: (الحقي بزوجك فإن في عينيه بياضاً فحزنت لذلك فلما جاءت زوجها قال لها: مالك؟ فقالت: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال كذا وكذا، فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وقالت: يا رسول الله! إني ألفيته يرى -ليس أعمى وما به شيء- قال: أوليس في عينيه بياض؟) نعم! في عينيه بياض، والمرأة فهمت أنه عمي، وهو صلى الله عليه وسلم يمزح ولا يقول إلا حقاً.

وقال لامرأة عجوز: (لا تدخل الجنة عجوز؟ فجعلت المرأة تبكي، فقال: إن الله تبارك وتعالى خلقهم يوم عُرباً أتراباً) وأهل الجنة أبناء ثلاثين سنة -كما ورد في الحديث- لا يهرمون ولا يشيخون.

فهذا مزاح النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عمر مثلاً -الذي هو آخر ضرب من مشكاة النبوة- كان يقول لجارة له: (خلقني خالق الكرام، وخلقك خالق اللئام؛ فكانت تبكي، فقال لها: خالق الكرام واللئام واحد) فهي ظنت أن خالق اللئام خلقها إذاً: هي لئيمة.

فالنبي عليه الصلاة والسلام سن لنا ذلك؛ رعاية لمقصد شرعي، وهو عدم الوقوع في الكذب، ورعاية لمقصد آخر، وهو: استتمام المروءة؛ لأن المرء الذي يكذب، ويتحرى الكذب، ويضحك الناس بالكذب؛ ساقط المروءة لا حشمة له، والذين يقولون: ساعة لربك وساعة لقلبك لا حشمة لهم، وكذلك كل الممثلين والذين يضحكون الناس بالحركات الساقطة لا حشمة لهم أيضاً.

قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: (من أكثر من ذكر شيء عرف به) فنبينا عليه الصلاة والسلام محل الأسوة، فكل جانب من جوانب حياته مكشوف لنا.

والحمد لله رب العالمين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015