جاء في الصحيحين من حديث المسور بن مخرمة رضي الله عنه في حديث صلح الحديبية، قال في هذا الحديث: (وجاء عروة بن مسعود الثقفي فأتى المغيرة بن شعبة -وفي رواية: أنه تلثم-) وضع لثاماً على وجهه لما وجد أن عمه قادم -وهو عروة - وجاء بالسيف يظن أن عروة يريد شيئاً أو يؤذي النبي عليه الصلاة والسلام، فجاء بالسيف، ووقف على رأس النبي عليه الصلاة والسلام، فكان عروة يخاطب النبي عليه الصلاة والسلام، فيمد يده فيمس لحية النبي عليه الصلاة والسلام فيضربه المغيرة بظهر السيف، فينظر عروة فلا يعرفه -أي: لا يستطيع أن يميزه لأنه ملثم- ثم يعود عروة فيمس لحية النبي عليه الصلاة والسلام فيضربه المغيرة، حتى إذا تكرر ذلك أكثر من مرة قال عروة للنبي صلى الله عليه وسلم: (من هذا الذي أزعجني وضرب يدي؟ فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: هذا ابن أخيك، هذا المغيرة بن شعبة، فقال عروة للمغيرة: أي: غدر! -أي: يا أيها الغادر- لا زلت تسعى في غدرتك، وهل غسلت سوأتك إلا بالأمس).
وكان من خبر المغيرة -وهذا هو الشاهد- أنه صحب ثلاثة عشر نفراً من قريش قبل أن يسلم، فشربوا الخمر جميعاً، فقام عليهم المغيرة فقتلهم وسلب أموالهم، وفر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلم، وقص عليه ذلك.
فقال له عليه الصلاة والسلام: (أما الإسلام فأقبله منك، وأما المال فلست منه في شيء، إنه أخذ غدراً) ورد المال عليه ولم يأخذه، حتى يترفع عن الدنايا، وأنت تعلم أن الأنبياء أكمل الناس مروءة، فلا يفعلون شيئاً يشينهم عند العوام حتى لو كان مباحاً.
موسى عليه السلام كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان بنو إسرائيل يغتسلون عرايا، وكان موسى عليه السلام رجلاً حيياً يستحيي أن يُرى شيء من جلده، فكان يغتسل في مكان بعيد، فقالوا: ما الذي يجعله أن يغتسل بعيداً عنا.
إنه آدر) آدر: يعني: لديه عيب في الخصية؛ ولذلك هو لا يريد أن ينكشف أمامنا، فكونهم يغتسلون عرايا ولا ينكر عليهم موسى عليه السلام دل على أن هذا كان مباحاً عندهم، ولكنه ليس من المكارم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حييٌ ستير، فإذا اغتسل أحدكم فليستتر)، ولما قال له بعض الصحابة: (إنني أكون وحدي فأكشف عن فخذي، قال: إن الله أحق أن تستحيي منه) فهذا وإن كان مباحاً لكنه ليس من مكارم الأخلاق، لذلك عافه موسى عليه السلام ولم يفعله، وكان يغتسل وحده بعيداً حتى اتهموه بهذه الفرية.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فوضع موسى عليه السلام ثوبه يوماً على حجر ونزل يغتسل كالعادة، فأخذ الحجر ثوبه وفر، فلما رأى موسى عليه السلام أن الحجر أخذ ملابسه، انطلق يجري خلف الحجر وهو ينادي عليه يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر -أي: هات ثوبي أيها الحجر- فمر موسى عارياً يجري خلف الحجر، فمر على بني إسرائيل وهم يغتسلون عرايا فرأوه، فقالوا: ما بالرجل من بأس -أي: هذا الذي رميناه به ليس فيه-) وقد ذكر الله ذلك فقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب:69].
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.