الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (تداووا عباد الله، فإن الله تبارك وتعالى ما جعل داءً إلا وجعل له دواءً).
فدواؤنا في وجود العالم الرباني، إذ لا يمكن أن يستقيم حال المسلمين بغير وجود العلماء، نريد العالم الرباني الذي نتعلم من سمته كما نتعلم من علمه، نريد العالم الرباني الذي يصدع بالحق ويستقيم عليه، نريد العالم الرباني الذي إذا رأيناه ذكرنا الله أين هؤلاء العلماء؟ ولا يستقيم حال الدنيا إلا بوجودهم، فكيف أغفل المسلمون البحث عنهم؟ في بلدنا كم طيباً يكفيهم؟ وكم مهندساً يكفيهم؟ وكم موظفاً في الجهة الفلانية يكفيهم؟ لا شك أنها ألوف مؤلفة، وإلا تعطلت مصالح الناس، كم عالماً يكفيهم؟ ألف ألفان ثلاثة آلاف عشرة آلاف؟ قليل، كم موجود منهم الآن؟ تستطيع أن تعدهم بأصابع اليدين، بل لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة عند العالمين وغير العالمين.
لو تصورنا أن الناس أضربوا عن دخول كليات الطب، فسوف نرى على صفحات الصحف والمجلات الكل يتكلم، ويقولون: المسلمون آثمون؛ لأنهم قصروا في فرض الكفاية، ومعلوم أن فرض الكفاية: أن يقوم جماعةٌ بشيء فيسقط عن الآخرين، فإذا قصروا جميعاً عن القيام بالفرض الكفائي صار فرضاً عينياً عليهم جميعاً حتى يقوم فيهم من يفعله، فيسقط حينئذٍ عن الباقين، فلو تمالأ أهل قرية على ترك الأذان، ونحن نعلم أن رفع الأذان فرض كفاية، إذا قام به فرد سقط الفرض عن باقي المسلمين.
ولو تمالئوا جميعاً على ترك شعيرة الأذان أثم جميع الموجودين حتى يقوم رجل فيرفع الأذان؛ فيسقط الإثم عن الباقين، هذا هو الفرض الكفائي.
لماذا لا نرى أيضاً الذين يقولون: يأثم المسلمون جميعاً بعدم وجود العلماء الربانيين؟ لأن المسلم لا يستطيع أن يبلغ يسير في طريقه إلى الله تبارك وتعالى بسلام إلا إذا وجد هذا العالم.
من الذي يعرفهم السنة من البدعة؟ من الذي يعرفهم الحق من الضلال إلا العالم الرباني، لاسيما إذا غابت أنوار النبوة اشتدت الحاجة إلى هذا العالم أشد من الطعام والشراب.