من أعظم ثمرات الصلوات الخمس: أن يعرف المسلمون بعضهم بعضاً، ويؤاسي بعضهم بعضاً، ويشتركون في المسرات والمضرات، فإن العبد إذا رأى غيره يشاركه خف عليه إذا كان متألماً، أو زادت سعادته إذا كان سعيداً، كما قالت عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك: (فظللت يومي وليلتي أبكي، حتى ظننت أن البكاء فالق كبدي، فاستأذنت عليّ امرأةٌ من الأنصار فجلست تبكي معي) لما ترى غيرها يشاركها في البكاء يخف عليها الألم، حتى أشارت الخنساء إلى ذلك في بعض قولها في أخيها كليب لما قتل، فقالت: ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي فالعبد إذا رأى غيره يشاركه خف عليه الألم وتزداد سعادته.
لماذا فقدنا حلاوة الصلوات الخمس؟ لأننا لا نستقيم كما أمرنا الله، كما في حديث النعمان بن بشير عند البخاري ومسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (لتسوون بين صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) فعدم تسوية الصف ينتج عنه أن الله تبارك وتعالى يفرق بين الوجوه.
وفي رواية أبي داود لهذا الحديث: (أو ليفرقن الله بين قلوبكم)، ويمكن الجمع بين اللفظين: بأن استواء الباطن معناه استواء الظاهر، فإذا اختلفت الفروض تغيرت الوجوه.
إذاً: قلبك لا يكون مع قلب أخيك؛ لأنك لا تسوي الصف، فالذين يستهينون بتسوية الصفوف، ويقولون: إن هذه مسألة جزئية، فكيف تهتمون بتسوية الصفوف وتقيمون الدنيا عليها، بينما المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها يذبحون ويقتلون، وهذا قول خطأ؛ لأننا نكون بذلك قد تركنا سنة من السنن ولم نجد حلاً لمشاكل المسلمين.
وعندما تذهب إلى موسم الحج الأكبر ترى المسلمين متنافرين في عبادتهم، فيتعجب الإنسان قائلاً: هل هؤلاء يجمعهم دين واحد؟! وفي الطواف يأتون بأذكار غير مشروعة، مثل: أذكار الشوط الأول، أذكار الشوط الثاني، وأذكار الشوط الرابع، من أين لهم هذا؟ هل النبي صلى الله عليه وآله وسلم شرع لهم ذلك؟ فيأتون بأشياء لم يأذن بها الله ورسوله، فأنى يستجاب لهم؟ وفي صفوف الحجاج لا تجد بينهم الرحمة، فإذا سقط أحدهم فقد حكم عليه بالموت، فإذا لم تكن فتياً فلا تستطيع أن تطوف؛ لجهل المسلمين، هل المسلمون يعجزون أن ينظموا في الحج؟ لو أرادوا أن يفعلوا لفعلوا، لكن الدولة هناك لا تتبنى تنظيم الحج، إنما تتبنى تنظيم السفر إلى الحج، وتوفير الأكل والشرب.
ولا نقول: إنهم لا يولون الحج اهتماماً كلياً، وإنما اهتمام ضعيف، فالبدع العلنية تفعل عند الكعبة، ومكة والمدينة مليئتان بالروافض، وهم الذين يسكنونها، حتى أن الدولة لما أرادت أن تُصلح أجهزة التكييف على الغرفة النبوية هاج الروافض في المدينة، وقالوا: يريدون أن ينبشوا القبر؛ فتوقفت الدولة خوفاً من الروافض، وخافت أن يثور الروافض في العالم.
وقد كان أحد هؤلاء الروافض يجلس في المسجد الحرام، وكان الناس يأتونه ويقبلون يده ورجله، فلما اشتدت النكارة عليه ذهب إلى المدينة.
التنظيم قد يكون صعباً لكن ليس مستحيلاً، فالذين يأتون من ديارهم قد يكون بينهم من لا يفقه شيئاً عن الحج، يعرف كل شيء إلا الحج، يعرف قيمة تذاكر الباخرات، والحافلات، والطائرات، ويظل سنة كاملة يحسب لها، وما فكر أن يسأل عالماً ماذا يفعل في الحج! يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، ويقول عليه الصلاة والسلام: (الحج المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة) ما معنى المبرور؟ أي: الحج على السنة، فمعظم الذين يذهبون إلى الحج لا يعلمون شيئاً عنه، فإنك عندما تذهب إلى الجمرات ترى العجب، فترى البعض منهم يرجمون الشيطان بالنعال، ورأيت رجلاً أتى بدف يريد أن يرجم به الشيطان! حنانيك أيها الراجم للشيطان! إن شيطاناً يعشش في داخلك ويجري منك مجرى الدم في العروق، فهل رجمته يوماً؟ ماذا استفاد المسلمون من مناسك الحج وليس عندهم الرحمة ولا الود؟ هل إذا رأوا رجلاً ضعيفاً أخذوا بيده؟ لو وقع رجلٌ ولم يستطع النهوض يموت.
وكم مات أناس تحت أقدام الحجاج، ولو كان المسلمون كالبدن الواحد لوجد هذا الذي سقط من يأخذ بيده.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (مثل الصلوات الخمس، كمثل نهرٍ جارٍ على باب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه -أي: وسخه- شيء.
قال: ذلك مثل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا).
وعلى مستوى الجمعة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الجمعة إلى الجمعة كفارةٌ لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر).
وعلى مستوى الحج: (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)، و (من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه).
فإذا كان العبد تشمله عناية الله يومياً وأسبوعياً وسنوياً، فمن أين يدركه الشقاء؟ لماذا شقي إذاً ولم تدركه العناية؟ لأنه لم يقم بالفرض كما أمر.
إذاً: نرجع أدراجنا فننظر في صلاتنا: الصلوات الخمس، والجمعة، وننظر في الحج، فإذا استطاع المسلم أن يجبر الكسر الذي أحدثه في هذه الشعائر الجماعية حينئذ تدركه عناية الله.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.