(تأمرون بالمعروف) لأن هذا هو الأصل، (وتنهون عن المنكر)؛ لأنه طارئ على الأصل، إذ الأصل في الناس العدالة، والأصل في الناس هو الإيمان والإسلام، والشرك والكفر أمر طارئ على الأصل؛ لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه).
والفطرة هي الإسلام، فمعنى الحديث: أن المولود يولد على الإسلام، يولد وقد أخذ الله عز وجل عليه الميثاق، {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} ميثاق الفطرة {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ} [الأعراف:172 - 173]، فهذا ميثاق الفطرة، ولذلك يولد المرء على فطرة الإسلام.
فحينما يشهد الرجل على نفسه أن الله تبارك وتعالى هو باريه -هو خالقه- ثم يأتي بعد ذلك يشرك، فإن هذا دليل على أن الشرك طارئ على هذا الأصل إذا قُدم الأمر بالمعروف على النهي عن المنكر لسببين: السبب الأول: أن الأصل هو الأمر بالمعروف، والمنكر طارئ.
السبب الثاني: أنه لا يمكن أن يكون هناك إنكار إلا بخروج عن معروف، أي: بخروج عن الأصل.
والأصل هو المعروف، كما قلنا: إن الأصل هو الإسلام أو الإيمان، والشرك طارئ، كذلك المسلمون عدول كما يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خطابه إلى أبي موسى الأشعري: (المسلمون عدول بعضهم على بعض، إلا مجلوداً في حد، أو مجرباً عليه شهادة زور)، فالأصل هو الأمر بالمعروف؛ لأنه طريق الجنة، والنهي عن المنكر إنما يكون بعد أن يخرج الإنسان من ربقة فعل معروف إلى فعل منكر.