قال آدم: (ولكن اذهبوا إلى نوح فإنه أول نبي أرسل -لعل له كرامة على ربه تبارك وتعالى- فيقول نوح عليه السلام: إن الله غضب اليوم غضباً لم يغضبه قط، وقد كانت لي دعوة فدعوتها).
وهذا وضحه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح قال: (لكل نبي دعوة مستجابة وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي).
انظروا إلى رحمته صلى الله عليه وسلم بنا، كل شيء كان يفعله لصالح أمته، مع أن أغلبهم لا يقيمون لهذا القرآن وزناً، ولا يقيمون لسنته صلى الله عليه وسلم وزناً.
وخرجت نابتة من المسلمين يقول أحدهم: (والله لا يكون المسلم الهندي أقرب إليَّ من النصراني المصري)، يعني: النصراني المصري أقرب إليه من المسلم الهندي، ما الذي جناه المسلم الهندي؟ لا شيء، إلا لأنه هندي بعيد الدار، ويزعمون أن هذا هو فهمهم، ولا يكون الإسلام إلا كما يفهمون.
هذه القومية القبيحة التي جعلت الناس يعبدون التراب والأرض، ويغنون للتراب والأرض، ومن شعارهم: (أن الدين لله والوطن للجميع) الدين لله، بمعنى أن كل إنسان يعبد ما يشاء، حتى خرج علينا بعض من يتسمى بأسماء المسلمين، فينكر على الذي يجبر الناس على الصلاة، ويقول قال الله تعالى: {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ} [الكافرون:6] وهو جاهل لا يدري ما الدين في هذه الآية، إن الله عز وجل أنزل هذه الآية ليقولها النبي صلى الله عليه وسلم للذين يدينون بغير دين الإسلام، أما تارك الصلاة فلا إسلام له، وإلا كيف يكون مسلماً وقد تحلل من دينه شيئاً فشيئا حتى صار مضاداً له.
سبحان الله! عندما تنظر إلى صنيع النبي صلى الله عليه وسلم، وتنظر إلى صنيع الأمة فإنك تقول: إنهم لا يستحقون شيئاً مما فعله ومما سيفعله من أجلهم، وها هو الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (إني آخذ بحجزكم من النار ولكنكم تغلبونني -آخذ بحجزكم: أي أحجزكم عن النار، ولكنكم تتفلتون مني وتتهافتون في النار- ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله ويقربكم إلى الجنة، ويباعدكم عن النار إلا أمرتكم به)، فقد بلَّغ وأدى الذي عليه صلى الله عليه وسلم، ولم يبق إلا الذي علينا.
فنوح عليه السلام دعا دعوته المستجابة: {رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} [نوح:26]، وذلك حين قال هذه دعوة نوح عليه السلام، استجابها الله فوراً، ولم يعد لنوح دعوة مدخرة ليوم القيامة ليدعو الله ويشفع للناس، فيريد أن ينجو بنفسه فقال: (اذهبوا إلى إبراهيم) وإبراهيم كما قال الله عز وجل: {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً} [النحل:120] تصور عندما يكون أمة واحدة، كيف سيكون قدره عند الله عز وجل؟ وقال الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} [النساء:125].
عندما قالوا له: (اشفع لنا عند ربك، قال: إني كذبت ثلاث كذبات، نفسي نفسي) ثلاث كذبات كذبها إبراهيم عليه السلام ويخشاها، اثنتان منها في ذات الله عز وجل، كما في صحيح البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كذب إبراهيم ثلاث كذبات: في قومه لما قال المشركون: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ * قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنطِقُونَ} [الأنبياء:62 - 63]-هذه الكذبة الأولى.
الكذبة الثانية:- لما دعاه الناس إلى عيدهم فأراد أن لا يشارك المشركين في عيدهم، قال تعالى: {فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ * فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ} [الصافات:88 - 89] وهذه الكذبة الثانية).
الكذبة الأولى: أنه عليه السلام حطم الأصنام ووضع الفأس على عنق الكبير، فلما رجعوا وجدوا الأصنام جذاذاً إلا كبيراً لهم لعلهم يرجعون، فجاء جمع وأخبروا أحد المحافظين وقالوا: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ} [الأنبياء:60] يعني: يذكرهم بسوء، أي: يسب آلهتهم، {يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء:60] فجاءوا به وقالوا: {أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ} [الأنبياء:62] {قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ} [الأنبياء:63]، هذه لا تعد كذبة إنما هي من المعاريض؛ لأن الأنبياء يستحيل عليهم الكذب، الكذب خاصة؛ لأنهم يبلغون كلام الله إلى الناس، وما آفة الأخبار إلا الكذب، فلا يجرب على نبي كذب أبداً.