قال: فصخبت علي امرأتي ذات يوم فراجعتني، فتناولت قضيباً فضربتها.
قالت: أو في هذا أنت يا ابن الخطاب؟! إن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يهجرنه الليل حتى الصبح، قال: فأفزعني ذلك.
ولم يفزع على أم سلمة، ولا على عائشة، ولا جويرية، وإنما فزع على ابنته، قال: أو تفعل حفصة ذلك؟! وهذا فيه دليل على ضعف الوالد تجاه ولده، وحبه لسلامته، قال: أو تفعل حفصة ذلك؟! خابت وخسرت.
قال: ثم نزلت إلى حفصة، فقلت لها: أي بنيتي! أتغاضب إحداكن النبي صلى الله عليه وسلم، وتهجره الليلة حتى الصبح؟! قالت: نعم.
وفي هذا دليل على أن الهجر يكون ليلة، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا باتت المرأة -والبيات لا يكون إلا ليلاً- هاجرةً فراش زوجها؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح).
فلو قال شخص: لو أنه دعاها إلى الفراش نهاراً فهجرته، فهل تدخل في الحديث؟ نقول: نعم.
إذاً لماذا ذكر الليل فقط؟ لأن الليل هو داعية الفعل، وليس النهار، فالتقييد بالبيات وذكر الإصباح في الحديث خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له، أي: إذا باتت المرأة بالليل هاجرةً فراش زوجها لعنتها الملائكة حتى تصبح، فليس مفهومه أنه يجوز لها أن تهجره بالنهار، فإن القيد إذا خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له عند العلماء.
قال لها: خبت وخسرتِ! وما يؤمنك أن يغضب الله لغضب رسوله فتهلكي؟! لا تسألي النبي صلى الله عليه وسلم ولا تستكثريه وسليني ما بدا لك.
وهذا هو الذي عناه الإمام البخاري في الترجمة، فـ البخاري ذكر الحديث تحت قوله: باب موعظة الرجل ابنته لحال زوجها.
فكذلك ينبغي للآباء أن يسلكوا هذا الخلق القويم: أنه لا يقوي ابنته على زوجها، بل عليه أن يعينها على طاعة زوجها؛ لأن هذا من النبل ومن الوفاء.
بعض الإخوة كثيراً ما يشكوا من ذلك يقول: هل يحق لي أن أقطع رحم زوجتي؟ أي: لا أسمح لها أن تزور أباها ولا أخاها ولا أمها ولا غيرهم.
لماذا يا أخي؟! فقطع الرحم لا يجوز، يقول: كلما ذهبت رجعت ناشزة علي.
حتى أني حضرت بعض المشاكل والمرأة الحمقاء أم الزوجة تعين ابنتها على عصيان زوجها وطلب الطلاق منه، وما هي المصلحة في ذلك؟ وكان الأولى أن تأمرها بالمعروف وتقول لها: يا بنيتي! إن النبي عليه الصلاة والسلام أبصر أسماء بنت يزيد فقال لها: (أي هذه! أذات بعلٍ أنت؟ -أي: أمتزوجة أنت-؟ قالت: نعم يا رسول الله.
قال: كيف أنت له؟ قالت: ما آلوه -أي: لا أقصر في طاعته- قال: فانظري أين أنت منه، فهو جنتك ونارك).
فـ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال: لا تسأليه ولا تغضبيه ولا تستكثريه -أي: لا تكثري من الطلبات- وسليني ما بدا لك، ولا يغرنك أن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وسلم (يعني: عائشة) ومما يدل على عظيم حب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنه وأنها كانت أحب نسائه إليه ما رواه مسلم في صحيحه عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم أنها قالت: (أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذنت عليه وهو مضطجع معي في مرطي فأذن لها فقالت يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة وأنا ساكتة قالت فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم أي بنية ألست تحبين ما أحب؟ فقالت بلى قال فأحبي هذه قالت فقامت فاطمة حين سمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعت إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرتهن بالذي قالت وبالذي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلن لها ما نراك أغنيت عنا من شيء فارجعي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقولي له إن أزواجك ينشدنك العدل في ابنة أبي قحافة فقالت فاطمة والله لا أكلمه فيها أبدا قالت عائشة فأرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهي التي كانت تساميني منهن في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثا وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي تصدق به وتقرب به إلى الله تعالى ما عدا سورة من حد كانت فيها تسرع منها الفيئة قالت فاستأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ورسول الله صلى الله عليه وسلم مع عائشة في مرطها على الحالة التي دخلت فاطمة عليها وهو بها فأذن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله إن أزواجك أرسلنني إليك يسألنك العدل في ابنة أبي قحافة قالت ثم وقعت بي فاستطالت علي وأنا أرقب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأرقب طرفه هل يأذن لي فيها قالت فلم تبرح زينب حتى عرفت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكره أن أنتصر قالت فلما وقعت بها لم أنشبها حين أنحيت عليها قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وتبسم إنها ابنة أبي بكر).
هذا يذكرني بالحديث الذي رواه البخاري عن أسماء قالت: تزوجني الزبير بن العوام وما له في الأرض شيء غير ناضح، وقطعة أرض من المدينة، قالت: ذهبت ذات يوم آتي بالنوى، فلقيها النبي صلى الله عليه وسلم في بعض طرق المدينة ومعه بعض أصحابه، قالت: فلما رآني أناخ البعير، ودعاني للركوب خلفه، وهو زوج أختها، ثم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، والظاهر من مجموع الأدلة أنه كان محرماً لنساء الأمة، قالت: أسماء: فذكرت الزبير وغيرته فاستحييت.
وكان الزبير بن العوام رجلاً غيوراً، وكان قاسياً، وكان الزبير متزوجاً بامرأتين، وكان إذا أراد أن يضربهن يربط ظفائرهن، ببعض وكانت أسماء لا تحسن أن تدافع عن نفسها، فكانت فتذهب إلى أبيها أبي بكر الصديق تشتكي الزبير، فكان يقول: يا بنيتي! ارجعي، فإن الزبير رجلٌ صالح.
والله إن هذا الجيل الفريد حق له أن يمكن وتصير له دولة في عشر سنوات، لماذا؟ لأنهم كانوا رجال صدقٍ.
تقول أسماء: (فذكرت الزبير وغيرته) برغم أن راحتها أنها تركب خلف الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن تذكرت الزبير وغيرته.
وهذا من الحرص على شعور الزوج، فإذا كان الزوج يغضب من أمر معين، فلا ينبغي للمرأة الوفية المؤمنة أن تفعل ذلك الأمر، وأن تكدر خاطر زوجها وتعكر صفوه.
قالت: فاستحييت؛ فعلم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فتركني، فلما رجعت تحكي للزبير بن العوام ما حدث، فقال لها: لمشيك أشد علي من ركوبك خلفه.