وفي هذه الآية أيضاً رد على الروافض الذين يقولون: إن إمامة علي رضي الله عنه كانت بنص جلي في كتاب الله عز وجل والصحابة كتموه، ويقولون: إن الله سبحانه وتعالى نص على إمامة علي بن أبي طالب بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام، فنقول: سلمنا معكم أن الصحابة بدلوا وغيروا، أغلبوا الله عز وجل حتى غلب تبديلهم على نصه، وهو يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3]، المفروض أن الله غالب على أمره، ولو أنهم أرادوا تحريفاً فلا يستطيعون ذلك أبداً، إذ الله غالب على أمره فأكمل دينه وأتم نعمته، فكان المفروض أن هذا النص يظهر على تحريف المحرفين، أما إذا لم يظهر هذا النص على تحريف المحرفين فهذه الآية حجة على الروافض، حيث أن الله تبارك وتعالى لم يذكر نصاً جلياً في إمامة علي، بل النص الذي يكاد يكون جلياً بل هو جلي في إمامة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فالرسول عليه الصلاة والسلام دخل مرة على عائشة رضي الله عنها فوجدها تقول: (وارأساه! -يعني: عندها صداع- فقال لها: بل أنا وارأساه! ما ضرك لو مت قبلي فصليت عليك ودفنتك، فقالت عائشة: والله! إني لأرى أنك تحب موتي، ولو كان ذلك لما بت إلا معرساً ببعض نسائك) يعني سوف تنساني، وسوف تبيت ليلة جميلة مع أي امرأة من نسائك، وسوف تنسى عائشة تماماً: (فقال لها: ادع لي عبد الرحمن لأكتب كتاباً، لعل قائلاً يقول أو متمنياً يتمنى فينازع أبا بكر ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)، واستخلاف الرسول عليه الصلاة والسلام لـ أبي بكر في الصلاة دليل واضح جداً، وقول الله عز وجل: {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} [التوبة:40] دليل واضح جداً، وأيضاً قال الرسول عليه الصلاة والسلام للمرأة التي قالت له: (إن جئت فلم أجدك فمن أسأل؟ قال أبا بكر)، والنصوص الجلية الظاهرة تنص على إمامة أبي بكر الصديق، وحتى لما تخلف علي بن أبي طالب عن بيعة أبي بكر وأراد أبو بكر أن يذهب إليه قال له علي: (ائتنا العشية وحدك، فقال عمر: تذهب إليهم وحدك؟ والله لا يكون، لأذهبن معك) وعللت هذا عائشة في صحيح مسلم فقالت: (وكره علي محضر عمر)؛ لأن عمر شديد، ويمكن أن يوجه له كلاماً شديداً، كما قال عمر لـ سعد بن عبادة مع جلالة سعد وجلالة منصبه عندما بويع لـ أبي بكر قال قائل: (قتلتم سعداً) فقال عمر: (قتله الله!) فكره علي أن يحضر عمر، وأراد أن ينفرد بـ أبي بكر، فقال عمر: (لا تأتيهم وحدك)، فقال أبو بكر: (والله لآتينهم وحدي، ما عساهم أن يفعلوا بي؟!) فدخل أبو بكر على علي، فتشهد علي وتكلم وأثنى على أبي بكر وقال: (إنا عليك ما أعطاك الله عز وجل، لكنا رأينا أنك استبلغت بالأمر دوننا)، وجعل يتكلم عن قرابته ومنهم الرسول عليه الصلاة والسلام، حتى فاضت عينا أبي بكر لما ذكرت القرابة وقال: (والذي نفسي بيده لأن أصل قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي من أصل قرابتي) وجعل يتكلم ويقول: (إني لم آلو أن أفعل في هذا الأمر ما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم).
فبايع علي أبا بكر الصديق، وكان إلى المسلمين أقرب منه إليهم قبل أن يبايع أبا بكر رضي الله عنه، فأين النص والدليل على إمامة علي بن أبي طالب وأن المسلمين أخفوها؟ فهذه الآية أيضاً حجة قاهرة على هؤلاء الروافض، إذ لو جاز للصحابة أن يبدلوا لما جاز أن يظهر تبديلهم على كلام الله عز وجل القائل: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة:3] وقبل هذه الآية قال الله عز وجل: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ} [المائدة:3].