هناك حديث موضوع كذب على النبي عليه الصلاة والسلام وهو: (إياكم وخضراء الدمن، قيل: وما خضراء الدمن؟ قال: المرأة الحسناء في المنبت السوء) وهذا الحديث كذب على الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن لو أجرينا هذا الكلام كحكمة وجدناه سديداً، (خضراء الدمن: المرأة الحسناء في المنبت السوء) كما لو كنت: تمشي على مستنقع، مغطياً أنفك من نتن هذا المستنقع، ومع ذلك يلفت نظرك زهرة جميلة اللون خرجت في هذا المستنقع، لا تراها في الأرض الخصبة الجيدة التي تسقى بالماء العذب، فهذه المرأة الحسناء في المنبت السوء؛ احذرها! وإن كان ظاهرها الالتزام؛ لأن طفولة هذه المرأة ضاعت، فيوم فتحت عينيها على الحياة وجدت أباها لا يصلي، ووجدت أمها لا تلتزم الحجاب، وربما وجدت أباها يشرب الخمر أو يعاقر النساء، وربما وجدت نتن الخيانة ينبعث من أمها، كل هذا انطبع في قلبها ورأته، وأشربت به في أهم فترات العمر وهي الطفولة، ثم تداركها الله بلطفه، فلما اختلطت بالفاضلات العفيفات بدأت تقلدهن، لكن على إثر، فعندما تتزوج فإنه يحصل في بيتها ما يحصل في البيوت عادة من الشجار والنزاع؛ فترجع المرأة إلى أصلها في الشجار، وقد تغضب وتترك بيت الزوجية إلى بيت أبيها، وأبوها لا يعين على البر والتقوى، وأمها كذلك، فتنشز عليه، وهم يزيدون من نشوزها، فلا تغتر -إذاً- بخضراء الدمن! وقد يعترض معترض فيقول: ما ذنب المرأة؟ ألا ننقذها مما هي فيه؟ فمثلاً: امرأة واحدة ملتزمة تراعي الله عز وجل وفي بيت غير ملتزم، وهي ملتزمة في وسط هذا المجتمع ألا ننقذها؟ فنجيب عليه: نحن ابتداءً لم نقل بتحريم الزواج من هذا النوع من النساء لأنك إذا تزوجتها وصلحت هذه المرأة فذلك أمر نادر، والنادر لا يقاس عليه، وكلامنا هنا أغلبي، فلا يعترض على هذه القاعدة الأغلبية بمثال أو اثنين أو ثلاثة أنه كانت امرأة منبتها سوء ثم أصبحت من خير خلق الله، هذا استثناء، والشاذ لا يقاس عليه، إنما نقيس على الأعم الأغلب، فكذلك الأعم الأغلب بالنسبة للأبكار الاستقرار، فالمرأة الوفية البكر إذا صادفت رجلاً نبيلاً تأثرت به غاية التأثر، يحفر سيرته في مجرى حياتها.
فراع الحسب، وراع أصالة المنبع وكرم المحفد؛ لأن هذا يعينك على الاستمرار في الحياة، ولذلك الرسول عليه الصلاة والسلام ذكر الحسب وأقر، ولكنه حث على ذات الدين: (تنكح المرأة لجمالها ولحسبها ولمالها) لا مانع أن يتزوج الرجل المرأة لمالها، وليس على الرجل غضاضة أن يستفيد من مال امرأته، لكن أحياناً الرجل لا يأخذ المال من امرأته لعلة عنده، لكن إذا انتفت العلل لا غضاضة عليه أن يستفيد من مال امرأته كما استفاد ابن مسعود من مال امرأته، ومن قبله سيده وسيدنا صلى الله عليه وسلم لما استفاد من مال خديجة.
وعليه: فأنت إذا كنت لا تخشى من امرأتك المن والأذى اقبل رفدها.