آداب رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة: أدب منامه، ومأكله ومشربه، وأدب تعامله مع جيرانه ومع أزواجه وأعدائه، لم يترك العلماء باباً من هذه الأبواب إلا ووضعوا فيه حديثاً أو حديثين، أو واقعة أو أكثر تدلل على خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، لو أردت أن تتأسى بأي صفة تخطر لك على بال وجدت رسول الله إماماً فيها، فأتم برسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن أصل الائتمام به واجب، لقول الله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} [النساء:64]، فالأصل في طاعة أي رسول أنها واجبة على قومه، ولا تصرف الأدلة الجزئية أو الوقائع التفصيلية من الوجوب إلى الاستحباب إلا بدليل، وإلا فأصل التأسي واجب.
والعلماء لما ذكروا التأسي بالنبي عليه الصلاة والسلام اختلفوا: هل التأسي به واجب على الإطلاق، أم مستحب على الإطلاق؟ والصواب أن المسألة فيها تفصيل: بعض أفعال النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها فعلاً جبلياً، كطريقة مشيه عليه الصلاة والسلام، فكان إذا مشى كأنما تحدر من صبب، يمشي بقوة وفتوة عليه الصلاة والسلام، وكان يمشي محلول الأزرار، وكان يمشي وفي يده عصا كل هذه تدل على المشروعية أو على الجواز أو على الاستحباب؛ لأن مثلها ارتفع إلى درجة الاستحباب والمشروعية بدليل من خارج، ولذلك العلماء يفرقون بين الأفعال الجبلية والأفعال التي قصد بها المشروعية.
فالشعر مثلاً أوصى به النبي عليه الصلاة والسلام، فلا يعامل الشعر معاملة حمل العصا ولا فك الأزرار، لا، الشعر أعلى، يعني استحبابه أوضح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم مع تركه لشعره حتى كان يضرب إلى منكبيه، كان يقول: (من كان له شعر فليكرمه) هذا حض منه على إكرام الشعر، ولم يكتف بمجرد الإطلاق لشعره فقط، حتى حض على إكرامه، وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا أخذت فخذ منه كله أو دعه كله).
ولكن العلماء يقولون: حتى الأفعال الجبلية التي كان يفعلها صلى الله عليه وسلم بغير قصد أن يُتأسى به يأخذ المسلم عليها أجراً إن قصد الموافقة؛ لأن الموافقة هي دليل الحب، فمثلاً شخص يمشي حاملاً في يديه عصى، لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يحمل العصا، لكن بشرط ألا تكون عصا المارشال، التي كان يأخذها شخص ويذهب عند الهرم، وأراد أن يكون الهرم الرابع، العصا هذه تدخل النار، لأن الذي يحملها كله كبر، لكن أن تحمل العصا بقصد التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه يكتب لك بها الأجر.
فالأفعال الجبلية كلها إذا قصدت بها مطلق التأسي انتقلت من المباح إلى المستحب مباشرة، ولا يفعل هذا إلا محب، لا يبلغك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم شيءٌ إلا وينبغي أن تبادر إلى إثباته ولو مرة في حياتك، وهذا هو عنوان الحب.
نسأل الله تبارك وتعالى أن ينفعنا بما علمنا، وأن يعلمنا ما جهلنا، وأن يجعل رسول الله لنا إماماً، اللهم اجعل رسول الله لنا إماماً، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وسلم.