يقول عبد الله بن عمر رضي الله عنه: (حدثني أبي عمر بن الخطاب) وفي هذا دليل على أن المرء من أهل العلم لو سئل في مسألة فالأفضل والأوقع أن يذكر دليل المسألة؛ لأن عبد الله بن عمر كان من الممكن أن يكتفي بالمسألة، فيقول له: لا.
هذا القول خطأ، أو غير ذلك، لكن بادر عبد الله بن عمر إلى ذكر الدليل بغير شرح منه؛ لأن الدليل واضح، وهذا من محاسن الفتيا، على خلاف من قال: إن ذكر الدليل فيه تشويش على العامة، وهذا ما عظم الدليل حق تعظيمه، ولا قدر الدليل حق قدره، فذكر الدليل من محاسن الفتيا، حتى وإن كان العامي يسأل عن موقع الحجة من الدليل، لكن ذكر الدليل يعطي قناعة للمستمع.
إذا سئلت عن مسألة فقلت: قال الله عز وجل فيها كذا وكذا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا استعظم المستفتي أن يخالف هذه الأدلة إلى رأيه، بخلاف ما إذا قلت له رأيك المجرد حتى وإن كان مدعوماً بالدليل، فإن قال قائل: فلماذا نرى الأئمة المجتهدين لا يذكرون دليلاً في الفتوى؟! يعني: الأئمة المجتهدون في الفقه كـ أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وسفيان الثوري والأوزاعي وهؤلاء العلماء، فعادة عندما نقرأ كلامهم في الكتب لا نراهم يعنون كثيراً بذكر الأدلة؟ فنقول: إن المسألة تخرج على حسب حاجة المستفتي، ونحن لم نشترط كلما سئلت عن مسألة أن تعدد عليها الأدلة، لكن كلما أتيح لك أن تذكر الدليل فبادر، فإن الأئمة كانوا يصدرون الفتاوى المجملة تبعاً لحاجة السائل، فالسائل عادة لا يريد دليلاً بل يريد الحكم في المسألة، فإذا اعترض عليه معترض بدليل يأتي له بأدلة، أو يؤول له دليله، ونحن لا يرد علينا هذا الكلام لأننا ما اشترطنا على المفتي أن يذكر دليل المسألة لكل سائل، ولكن كلما أمكنه أن يأتي بالدليل كان أوقع في نفس المستفتي، والغالب على فتاوى الصحابة أنهم كانوا يذكرون الأدلة، كما في حديث ابن عمر، لما قالوا له الشبهة رد عليهم بحديث.