فكانت الإشارة إلى أن الجماعة لها تأثير في سلوك الفرد، وأنه ينبغي لنا أن نلتمس المجتمعات التي يكثر فيها الالتزام وتقل فيها المعاصي؛ لأن هذا الرجل الذي قتل مائة نفس، ولم يقل له أحد توقف، من الممكن أن يقتل ثانية إذا استفزه أحد.
عندما كنت آخر مرة في الكويت، قابلني شاب كان في جماعة التكفير، ثم سافر وخرج ليعمل في الخارج، وإخوانه يشتكون منه، فكنت موجوداً في آخر يوم فقال: نعمل جلسة مصرية، لا يحضرها إلا أهل مصر، فأتوا يتكلمون في شأن هذا الرجل الذي كان في جماعة التكفير، ثم ترك التكفير أنه بقيت عنده علة وهي أنه إذا أغضبه أحد يكفره، فهم دائماً يرضونه حتى ولو كان مخطئاً، فلما جاءوا طرحوا هذه المسألة والقضية ويقولون له: ارفق بإخوانك، فقال والله أنا عصبي بطبعي، وأول ما فتحت عيني على الدين فتحتها على التكفير، فترك عندي شيئاً يعسر علي جداً أن أتخلص منه، وبعدما أكفر أخي أدخل في نوبة بكاء، لأنني أعرف الحكم، يعني يعرف أن الذي يكفر مسلماً وهو غير صادق أن التكفير يعود إليه، فيقول: أنا أشعر أني كفرت نفسي، لكن ليس هذا بإرادتي، فانظر كيف أن الجماعة أثرت فيه أول ما بدأ يستقيم، وظل هذا الأثر يلازمه حتى الآن، لذلك هجران أهل المعاصي والبدع واجب، فإنك إذا وجدت شخصاً يلازم المعاصي أو البدع وتساهلت معه، فأقل ما في المسألة أنك لن يتمعّر وجهك ولن يتغير قلبك لله عز وجل، ولا تأمن أن تكون واحداً من هؤلاء المبتدعين فيما بعد.
لذلك كان من الخطر على هذا القاتل أن يظل في أرضه، فهو رجل مجرم وسفاك للدماء فكيف يجلس في بلد لم يقل له فيها أحد: وحد الله، ولم يقل له أحد: قف عند حدك، بل كان حوله البطانة السيئة التي توقعه في الشر، ألا يقول المثل: إذا لم تقدر على عدوك صاحبه، الذي لا يستطيع على عدوه يصاحبه، فهذا الرجل شرير، وأي واحد يقول له كلمة يقتله مباشرة، إذاً: نصاحبه، يعني أول ما يحب أن يقتل، أقول له: وأنا أعرف لك فلان من أين يدخل وأين يخرج، وآتيك بكل تحركاته، وأستغله، وأستغله حتى لا يقتلني، فإذا رأوا أن هذا الرجل قد تاب يذهبون إليه قائلين: مالك مريض، ما لك ما عدت تقتل أحداً؟ أين رجولة الأمس فبعد هذا الكلام يمكن أن يغتاظ ويعود إلى القتل من جديد، وهذا ممكن.