ألقت امرأة شبهة ظلوا يتكلمون عليها ثلاثين يوماً!! انظر! -امرأة وليست رجلاً- والمعروف أن الرجل هو الذي يستطيع الإتيان بالشبه، أما النساء فشبههن على قدرهن، ونزَّلت كتيباً صغيراً: (هل النساء أكثر أهل النار؟) وكأنها تظن أن الجنة والنار داخلة ضمن صلاحيات المرأة، وأنها تتدخل في حرية المرأة.
وهي معترضة على حديث البخاري ومسلم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لقي النساء في يوم عيد فوعظهن وقال: (يا معشر النساء! تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقامت امرأة من وسط النساء.
فقالت: لِمَ يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير) يعني: تظل تلعن في زوجها وتشتم فيه، وتكفر بجميله، يطعمها ويسقيها ويحسن إليها، ومع ذلك أول ما تزعل منه تقول له: ما رأيت منك خيراً قط، وبذلك تدخل جهنم والعياذ بالله.
فالمرأة كَبُر عليها قوله: (رأيتكن أكثر أهل النار) فقامت تعترض، تقول: أكثر أهل النار لماذا؟ هن قاعدات مع البصل والثوم في المطبخ، وتربية الأولاد.
وتقول: من هم الذين صنعوا القنبلة الذرية؟! الرجال أم النساء؟ من هم الذين صنعوا الصواريخ عابرات القارات، يكون أحدهم جالساً يشرب فيضغط على زر، فيدمر مدينةً؟! أهم الرجال أم النساء؟ من هم الذين صنعوا أسلحة الدمار الشامل؟ من هم الذين ظلوا يخططون للحرب الشاملة الضروس في كل مكان في العالم؟ هم الرجال، إذاً: هم الذين يدخلون جهنم وليس نحن.
هذا خلاصة اعتراض تلكم المرأة، وهي لكي تضع الصبغة العلمية على الكلام قالت أيضاً: لكي نبين أننا لا نتكلم من منطلق العاطفة، سنجيء بكلام علماء الحديث، فـ ابن الجوزي يقول: إن صحة السند لا تستلزم صحة المتن، وهذا ليس معناه أن كل ما في صحيح البخاري يكون صحيحاً، فمن الممكن أن يكون في صحيح البخاري وهو موضوع وكذب، وأمارة الكذب في الحديث -حسب زعمها- أن الرسول صلى الله عليه وسلم الرحيم الرءوف يجيء إليهن في يوم عيد ويقول لهن: أنتن في جهنم وبئس المصير، بدلاً من أن يفرحهن ينكد عليهن، ويقول لهن: أنتن أكثر أهل النار! فهل هذا يليق بذوقه عليه الصلاة والسلام؟! فتقول: المتن منكر، وإن كان السند من رواية: مالك عن نافع عن ابن عمر، لكن المتن منكر، لا يمكن أن نقبله! أيضاً تقول تلكم المرأة: رجم الزاني المحصن -هو حكم الله عز وجل-.
وتقول: هل الحيوان أغلى على الله من المسلم الموحد؟ فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته) أي: لا تجيء بسكين مثلوم وتظل تذبح الخروف، حرام عليك، بل لابد أن يكون السكين حاداً ماضياً لتنتهي من ذبحه بسرعة لماذا؟ لكي لا تعذب الحيوان.
فتأتي هذه المرأة وتقول: هذا في الحيوان فكيف يرجم الزاني، ويظل يعذب ويتألم من الحجارة؟! إذ كان الحيوان يقول الرسول فيه: (فليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)، فلماذا تأخذون في تعذيب ابن آدم هذا؟! أتكون البهيمة العجماء أقرب إلى أن ترحم من الإنسان الموحد؟! ولكنه ورغم أنفها حكم لله عز وجل -ولكن- في زمان الجهل تصير هذه الشبهة عملاقة، وتصير دليلاً.
لماذا؟ لأن أصحاب الحق أضاعوا صوتهم وأقلامهم.
لكن في زمان العلم كل الشبهات تتضاءل، بل الأحكام التي لا تقوم على فهم صحيح تتساقط أيضاً، مهما كان حجم قائلها.
ونحن نجيب على هذا الاعتراض ونقول: إن الله عز وجل شرع الأحكام للمصالح، ولذلك الإنسان إذا عرض له حكم لا يفهم له معنى يقول: الله له حكمة في ذلك، وأفعال الله عز وجل لا تخلو من الحكمة أبداً، فكل فعل له حكمة سواء جلَّت عن أفهام العباد أو عرفوها.
حسناً! الحيوان الأعجم -وربنا سبحانه وتعالى خلق حيواناً أعجم لك لتأكله- ما الحكمة في تعذيبه؟! ما هي الحكمة من تعذيب الحيوان، وأنت ستذبحه لتأكله؟! إذاً: لا حكمة على الإطلاق، فيتنزه حكم الله عز وجل أن يثبت العذاب للحيوان الذي يذبح، إذ أنه يخلو تماماً من الحكمة.
أما الزاني الذي يضرب بالحجارة! وربنا سبحانه وتعالى قال في الحد: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2]، مع أن الأصل الستر على المسلم، وعلى أصحاب العصيان، هذا هو الأصل في الشريعة: (من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)، وقال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرين، قالوا: ومَن المجاهرون يا رسول الله؟ قال: الذين عصوا الله عز وجل فسترهم؛ فأصبحوا يهتكون ستر الله)، فيكون بهذا مستحقاً للتعذيب؛ لأنه كشف الستر، والذي كان من المفروض أنه يتركه مُغَطًّى.
الأدلة متكاثرة على أن الأصل أن تستر على أصحاب العصيان، إلا إذا أنضاف إلى ذلك شيءٌ آخر يوجب عليك أن تظهر هذه المعصية.
فإذا كان هذا هو الأصل وهو الستر، فربنا سبحانه وتعالى أمر بالفضيحة التي هي خلاف الأصل! لماذا؟ حتى إذا نظر الرجلُ ورأى الزاني يُجلد أو يرجم فهذه فضيحة ويقول: كنا نظنه مُتَّزِناًَ ومستقيماً، فظهر بخلاف ذلك فيسقط من أعين الناس، والذين يشهدون هذا العذاب يعتبرونه بهذه الفضيحة وهذا العقاب فيكون رادعاً لهم عن اقتراف المحرمات.
قال الله عز وجل: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور:2].