إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
أما بعد فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
اللهم صلِّ على محمدٍ على آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد.
درسنا هذا بعنوان: (الطريق من هنا).
إن الهدى هو خير ما يحتاجه الرجال، وشر بضاعة المرء الضلال، فالعبد المفلح الذي وقع ميثاق العبودية في عالم الأرواح ينبغي عليه أن يراجع نفسه: هل هو سائرٌ إلى الله عز وجل بسلام أم أضلته شياطين الإنس والجن؟ ميثاق العبودية الذي وقعه كل واحد منا في عالم الأرواح مذكورٌ في قوله تبارك وتعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا} [الأعراف:172]، فقال الله عز وجل {أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف:172] ومع أن هذا الميثاق لا يذكره أحد منا فكان من رحمة الله عز وجل: أن أرسل الرسل ليذكروا العباد بهذا الميثاق.
فهناك عقدٌ وقعته أنت وهو عقد العبودية، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: (افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، وافترقت النصارى على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة، قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما عليه اليوم أنا وأصحابي).
إذاً: يا طالب النجاة! عليك بمذهب القرن الأول، فنجاتك أن تتمذهب بمذهب القرن الأول: (كلها في النار إلا واحدة، من هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه اليوم أنا وأصحابي)، لأبين لك عظم المحنة التي تعيشها، وربما لا يشعر كثير منا بحجم المحنة.
أصور لك هذه الفرق بأبواب: أمامك ثلاثة وسبعون باباً كلها مفتحة، وبابٌ واحد فقط هو باب السلامة، وبقية الأبواب إلى النار، وليس ذلك فحسب بل على كل باب من يدعو إليه، وعلى بعض الأبواب من يأخذ لبك ويسرق قلبك بحكم بيانه وعرضه وسمته! فإذا لم تكن متحققاً بمذهب القرن الأول ربما انطلى عليك عرض أحد هؤلاء الدعاة، وهذا الباب أول خطوة تخطوها فيه تقودك إلى النار، فهي محنة من أعظم المحن، وإذا زل المرء في الخطوة الأولى كان لها ما بعدها.