إخلاص المشركين في دعائهم عند الشدائد

إن الإخلاص لا يستغني عنه كافر ولا مؤمن.

لا يستغني الكافر عن الإخلاص، قال تبارك وتعالى: {هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ * فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [يونس:22 - 23].

قوله: (مخلصين له الدين): أي: أنهم لا يكذبون في إخلاصهم إذا وقعوا في ورطة.

وقال تبارك وتعالى: {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت:65]، وقال تبارك وتعالى: {وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان:32].

هذا حال المشركين، لا يخلصون إلا إذا وقعوا في ورطة.

وفي سنن الترمذي -وقواه بعض أهل العلم- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ حصين -والد عمران -: (كم تعبد إلهاً؟ قال: أعبد سبعة، ستة في الأرض وواحداً في السماء، قال: فأيهم تعد لرغبك ورهبك؟ قال: الذي في السماء).

ويوضح ذلك أيضاً ما رواه الإمام النسائي وأبو داود وغيرهما من حديث سعد بن أبي وقاص، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة أمن الناس جميعاً غير أربعة رجال وامرأتين، فقال: (اقتلوهم ولو وجدتموهم معلقين بأستار الكعبة: عبد الله بن خطل، ومقيت بن فضالة، وعكرمة بن أبي جهل، وعبد الله بن أبي سرح) أما مقيت بن فضالة فأدركوه في السوق فقتلوه، وأما عبد الله بن خطل فذهب وتعلق بأستار الكعبة فأنزلوه وقتلوه، وأما عكرمة بن أبي جهل، ففر وركب البحر، وأما عبد الله بن أبي سرح فاختبأ عند أخيه من الرضاعة عثمان بن عفان.

ولما هرب عكرمة ركب إلى البحر، فبينما السفينة في لجة البحر إذ جاءتها ريح عاصف، وصارت السفينة كالريشة في مهب الريح -وجل الذين يركبون السفينة كانوا كفرة- فلما أزفت السفينة على الغرق قال لهم ربان السفينة: أيها الناس! أخلصوا في الدعاء، واعلموا أن آلهتكم لن تنفعكم هنا، فلما سمع عكرمة ذلك قال: (والله لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص فلا ينجيني في البر غيره، لله عليَّ إن أنجاني لآتين محمداً، فلأجدنه عفواً كريماً) ونجا الرجل، ووفى، وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبسط يده بالإسلام فقبل منه، ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى البيعة العامة، فجاء كل الناس مسلماً، فجاء عثمان بن عفان رضي الله عنه بأخيه من الرضاعة، وقد أهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه، فجاء خلفه يمشي والنبي لا يراه، حتى إذا وقف عثمان أمام النبي عليه الصلاة والسلام وخلفه عبد الله بن أبي سرح، قال عثمان: يا رسول الله! بايع عبد الله، فلما رآه سكت، ما بايعه، قال: يا رسول الله! بايع عبد الله.

فأبى وسكت، قال: بايع عبد الله، فبايعه بعد ثلاث مرات، ثم التفت إلى أصحابه يقول: (أليس منكم رجل رشيد إذ رآني كففت يدي عن بيعة هذا أن يقوم إليه فيضرب عنقه؟! فقالوا: يا رسول الله! وما أعلمنا ما في نفسك؟ (أي: وما يدرينا ما في نفسك؟) هلا أومأت بعينيك! فقال عليه الصلاة والسلام: إنه لا ينبغي لنبي أن تكون له خائنة الأعين).

الشاهد في الحديث هو قول عكرمة: (لئن لم ينجني في البحر إلا الإخلاص فلا ينجيني في البر غيره).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015