هذه أم سليم رضي الله عنها علمتنا هذا الأصل في الحديث المشهور كان لها ولد مريض، ثم ذهب أبو طلحة للتجارة، فمات الولد فقالت أم سليم: (لا أحد يخبره حتى أكون أنا أول من يخبره).
لم تمزق ثوبها! ولا خمشت وجهها! ولا ناحت على ابنها! والبيت طبيعي جداً، دخل أبو طلحة البيت وجد كل مظاهر الحياة السعيدة! أول ما دخل -وكان معه جماعة من الضيوف- سأل عن الولد: ما أخبار الولد؟ قالت له: استراح ما عاد يشتكي.
طبعاً الولد مات وهي صادقة، قالت: ما عاد يشتكي.
قال لها: الحمد لله، جهزي لنا العشاء، أكلوا وشربوا والضيوف خرجوا، وهي امرأة ذكية، تنظفت وتعطرت، فدخل الغرفة معها، فكان منه ما يكون بين الرجل وأهله، وبعد ذلك جلست تتحدث معه، قالت له: يا أبا طلحة أرأيت لو أن رجلاً أخذ عارية من جاره -استلف منه معونة، استلف منه فأساً، استلف منه سيارة، استلف منه أي شيء- وبعد ذلك قال له الرجل صاحب العارية: هات حقي، أكان له أن يمنعها إياه؟! هل يمكن أن يقول له: لن أعطيها لك؟ قال لها: لا! قالت له: فاحتسب ولدك.
فهي لفت عليه وألزمته، جعلته يجيب على نفسه بلسانه، ولذلك أول ما قالت له: احتسب ولدك، لم يتكلم لماذا؟ لأنها ألجمته، انظر كيف لفت عليه لماذا؟ لأنها لو دخلت وقالت له: الولد مات.
لقال لها: ماذا يا امرأة؟! وربما يبكي ولو كان البكاء يرجع عزيزاً ما كان أحد أوقف البكاء! لكن نفذ قضاء الله، وقضاء الله لا يقابل إلا بالتسليم والرضا.
فهي امرأة ذكية، ألزمته الجواب وجعلته هو الذي يجاوب بلسانه، ولذلك لما رأى الحجة ركبته، ولم يعرف يتكلم، غضب منها، وقال لها ماذا؟ قال: تركتني حتى تلطخت بك ثم نعيت لي ولدي؟! لماذا لم تقولي لي لكي تأباه نفسي؟! وذهب يشكوها للرسول عليه الصلاة والسلام، وقال له: عملتْ في وصنعتْ يشكو هذه السيدة الكاملة.
فالرسول عليه الصلاة والسلام قال: (هل كان منك ما يكون من الرجل إلى أهله؟ قال: نعم.
فقال: بارك الله لكما في غابر ليلتكما)، قال الراوي: فلقد رأيت عشرة من أولاد أبي طلحة كلهم يقرأ القرآن.
ربنا أخلف عليه أو لا؟ لقد أخلف عليه.
فهناك بعض الناس ينبغي ألا تدخل عليه مباشرة، تقعد تلف عليه؛ خصوصاً ذاك الذي يغتر بذكائه، فلا تحرق دليلك معي، أول ما تأتي إليه يقول لك: أنا أعرف أنك ستقول لي كذا.
إذاً المفروض أن تلف على هذا النوع.
القرآن كان يلزم المشركين هذا الإلزام، مثل هذه الآية التي نحن فيها: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} [فصلت:39].
ما رأيك في المنظر هذا؟! أنا أراه أمامي: {إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْييِ الْمَوْتَى} [فصلت:39] تنكره لماذا إذاً البعث؟ {إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت:39] إذاً ألزمهم بما يرونه، وذلك بأن لف في إقامة البرهان.
ولهذا ربنا سبحانه وتعالى حين يقول: {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} [الفرقان:59] أي: لا يدل على الرحمن عز وجل، ويحبب الله إلى الناس إلا خبير بالله عز وجل.
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا وإياكم من العالمين به، أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والحمد لله رب العالمين.