إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله تعالى فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداًَ عبده ورسوله.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أما بعد: فقد اخترت عنوان هذه المحاضرة هذا
Q أين ذهب العلماء الربانيون؟ وكيف السبيل إلى وجدانهم؟ ذلك أن العالم الرباني وحده هو الوقود الحقيقي لحركة هذه الأمة، والذي يتطلع إلى سير السالفين ويدمن الاطلاع عليها يرى عشرات المئات بل الألوف من هذه النماذج المشرفة، التي نفتقر عشرة منها أو نفتقر خمسة منها في عالمنا الإسلامي الكبير المنتشر الأرجاء، ولست مبالغاً إذا قلت: إن الرجل إذا أدمن الاطلاع على سير السالفين شعر بغربة عميقة جداً، بين هذا الواقع السلبي الذي يعيشه المسلمون الآن، وبين ماضيهم المشرق جد الإشراق، على حد قول شوقي فيما قال: بأيمانهم نوران ذكر وسنة فما بالهم في حالك الظلمات هنالك نوران: بيدك قرآن وسنة، ومع ذلك كلما وجدت حفرةً سقطت فيها! لا يجدي هذا النور العظيم مع رجل لا يرى! إن مشكلة هذه الأمة: عدم وجود العلماء الربانيين الذين يأخذون بنواصي أفرادها إلى الخير، ولو أن كل مسلم أمعن النظر في هذه المصيبة التي ابتلي المسلمون بها الآن أقل ما يمكن أن يفعله أن يريق الدموع، أما الأسى والحزن فهذا محله القلب، وإلا فهذه الرءوس الكثيرة جداً في عالم المسلمين اليوم الجاهلة، التي تأخذ بنواصيهم إلى كل شر، ولا أدري بأي قرآن أو بأي سنة أو فهم لأصول المسلمين ينظر هؤلاء إلى النصوص الشرعية! أنا عجبت أشد العجب -ولعلكم عجبتم لأن هذا أمراً كان مشهوراً في الجرائد الرسمية- من هذا الفاصل الهزلي الرديء الذي نشرته (صحيفة الأهرام) في شهر مارس الماضي عن النقاب.
وهذا الصحفي - أحمد بهاء الدين - تاريخه معروف لدينا جميعاً، لم يعجبه حكم المحكمة الإدارية أن الطالبات لهن الحق في ارتداء النقاب؛ لأن هذا من الحرية الشخصية، فوقف على كلام رجل يوزع جهله يمنةً ويسرة، فلخص منه كلاماً يدل على أن هذا الرجل لم يعرف أين باب الإسلام.
أبجدياته الإسلام يجهلها هذا الرجل الذي صنف كتاب (حجاب ونقاب في نظر الدين) وانتهى بحثه الراقي العلمي الدقيق إلى أن النقاب لا يوجد له أثر لا في القرآن ولا في صحيح السنة وأنه إنما دخل مصر مع المماليك.
وأنا لا يعنيني هؤلاء، ولست أقف عندهم طويلاً، إنما أقف على فتوى الدكتور عبد الغني الراجحي الذي دبج اسمه بقوله: العميد الأسبق لكلية أصول الدين، وأستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة الأزهر.
لقد بعث ثلاث رسائل إلى هذا الرجل أحمد بهاء الدين يقول له: قرأت -وأنا أروي بالمعنى- بشغف مقالاتكم الرائعة عن نظر الإسلام في النقاب، وما أوردتموه من قول العلماء الثقات.
أين هم العلماء الثقات؟! الفنجري؟! هذا الهنجري رجل واحد فكيف صار هو العلماء؟! وصار من الثقات؟! ثم قال: وقد أحسنتم الاستدلال! يقول عنه هذا القول مع أنه لم يأت بشيء، هل تتصورون أن النافي أتى بدليل؟ كلما سألته يقول: لا أدري، لا أدري، لا أدري، الذي يثبت شيئاً لابد أن يأتي عليه بالدليل، أما النافي فكما يقول بعض علماء الأصول: لا دليل على النافي خلافاً لـ ابن حزم.
المهم أن هذا الرجل يقول: لم يثبت، لم يصح، لم يأت، لم لم.
فأين قول الراجحي عنه: لقد أحسنتم الاستدلال؟ هذا يذكرني بقصة شاب محام أراد أن يجتهد فتبنى قضية رجل ضليع في إجرامه، التهمة عليه (100%) فوقف في ساحة المحكمة قال: يا سيادة القاضي! إن موكلي بريء، والدليل على أنه بريء: أولاً أما ثانياً: فهذا يدلنا إلى الدليل الدامغ لبراءة المتهم، وهذا ما سأشرحه في ثالثاً.
سيدي القاضي! بعد الذي ذكرته من الأدلة الملزمة أطالب ببراءة موكلي.
أين هذا الذي ذكره هذا المحامي الناشئ في الدفاع عن هذا الرجل الضليع في إجرامه؟! هذا العميد الأسبق لكلية أصول الدين يصل في نهاية البحث إلى أن النقاب نحكم عليه بالحرمة وأنه بدعة، وأنا استغرب جداً أن يجهل رجلٌ هذه الأبجديات المبثوثة في جميع دواوين المسلمين!! فيأتي هذا الرجل فيتكئ عليه كثير من الآباء لإرغام بناتهم لخلع النقاب ويقولون: هذا هو العميد الأسبق لكلية أصول الدين، وأستاذ الدراسات العليا بجامعة الأزهر! يقول: لم يصح لم يوجد بل أنا أفتي بأنه بدعة محرمة في ظل الظروف السياسية الموجودة!