قال: (بم يأمركم؟ قال يقول: اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم).
ثم قال هرقل: (سألتك بما يأمركم؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عن عبادة الأوثان).
فقرن بين عبادة الأوثان وقول الآباء؛ لأن اتباع الآباء وثن، وكان هذا قول الكفار، فقد كانوا يقولون: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ} [الزخرف:23] فاتباعهم لهذا الوثن صدهم عن الحق.
وضع هرقل كلمة عبادة الأوثان مكان كلمة الآباء، ولم ينكر عليه أبو سفيان ويقول: أنا لم أقل هذا، أنا قلت أنه قال واتركوا ما يقوله آباؤكم، فإقرار أبي سفيان وسكوته عن الاعتراض على هرقل غيَّر كلامه دلالة على أنه موافق ومقر.
اتباع الآباء في غير الحق وثن، قال الرسول عليه الصلاة والسلام لهم: (اعبدوا الله وحده ولا تشركوا به شيئاً، واتركوا ما يقول آباؤكم) إذا كان أبو سفيان يذكره على أنه رد للرسول عليه الصلاة والسلام، والله تبارك وتعالى ذكر كلامهم هذا في معنى الربوبية، فقد كانوا يقرون بأن الله يسلمون تبارك وتعالى وحده لا شريك له، قال تعالى: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [لقمان:25]، {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ} [الزخرف:87] لكنهم لا يقرون به في باب الألوهية، من ذلك {أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص:5] لماذا؟ إذا كان الرب واحد وأنتم تقرون بذلك، فما المانع أن يكون هو الإله الواحد أيضاً الذي يستحق أن يعبد دون غيره؟ فـ أبو سفيان يقول هذا على سبيل القدح في رسالة الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن هرقل لأنه كان قد قرأ الكتاب العبراني، وكانت عنده خلفية بالشرائع السابقة، وعنده خلفية بدين المسيح عليه السلام؛ فكل ذلك أتاح له الفرصة أن يرد على أبي سفيان، فقال له: (قال: فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً، وينهاكم عن عبادة الأوثان، ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف) هذه أشياء لا يمكن للإنسان كامل العقل أن يعترض عليها، ولذلك قريش بعدما رأت أن كل شيء مدموغ بالحجة، قالت المقالة التي ذكرها الله تبارك وتعالى عنهم: {لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31].