قوله: (فكذلك الرسل تبعث في نسب قومها) أي: في أفضل نسب؛ لأن الخلق دائماً يهتمون بالأنساب، وهذه من خصال الجاهلية الموجودة في الخلق إلى أن تقوم الساعة.
فقريش بعد ما أقيمت عليهم الحجة من كل صوب، ماذا قالوا؟ قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31].
القرآن جميل! وكلام طيب! لكن لو أنزل على رجل عظيم من أهل الأنفة، والشرف! فقال سبحانه وتعالى راداً عليهم: {أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا} [الزخرف:32]، {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ} [الأنعام:124].
لذلك لم تزنِ امرأة نبي قط، ولا جاء نبي أبداً من سفاح؛ لأن هذا قدح مباشر في رسالته، كما أنه ممكن أن يكون أبو النبي كافراً لكن لا يكون زانياً.
الزنا قبيح جداً، ولذلك كما يقول ابن عباس: (ما زنت امرأة نبي قط) لكن ممكن تكفر.
يعير بالزنا أشد مما يعير بالكفر، وإن كان الكفر هو رأس الخبائث كلها، وكأنه لهذا -لهذا المعنى- برأ الله تبارك وتعالى موسى من قذف بني إسرائيل إياه؛ ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كان بنوا إسرائيل يغتسلون عراة، وكان موسى عليه السلام رجلاً حيياً يستحيي أن يُرى شيء من جلده، فكان يذهب إلى مكان بعيد في النهر ويخلع ملابسه وينزل يسبح.
وفي أحد الأيام شك بنو إسرائيل في موسى عليه السلام فقال بعضهم لبعض: لماذا لا يستحم معنا؟ إنه آدر -آدر يعني: عظيم الخصية؛ عنده عيب في الخصية- فاتهموه بهذه التهمة- وبينما كان موسى عليه السلامة يستحم وقد كان وضع كل ملابسه على حجر، فإذا بالحجر يأخذ ملابسه ويذهب، فخرج موسى يجري وراء الحجر عرياناً، فمر الحجر على بني إسرائيل وهم في النهر، وموسى عليه السلام يجري وراء الحجر فمر عليهم عرياناً، وهو يقول: ثوبي حجر! ثوبي حجر!) يعني: أعطني ثوبي أيها الحجر! فوقف الحجر، فموسى عليه السلام من غضبه أمسك العصا وظل يضرب الحجر، قال عليه الصلاة والسلام: (لو شئت لأريتكم ندبات العصا على الحجر) أي: أن العصا تركت آثاراً على الحجر.
فقال بعضهم لبعض بعد أن رأوا موسى عليه السلام مستوي الخلق، قالوا: ما بالرجل من بأس.
قال بعض العلماء: إنما أراهم الله تبارك وتعالى ذلك؛ لأنه يمكن أن يرتقي إلى الشك في ذرية موسى عليه السلام، ونحن نعلم أن الحيوانات المنوية تخرج من الخصية، فإذا كانت الخصية فيها عيب أو ما شابهه فيكون هذا سلم للطعن في ذرية موسى عليه السلام.
فأنزل الله تبارك وتعالى قوله في ذلك في هذه القصة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا} [الأحزاب:69].
فقد كان الناس يهتمون بمسألة الحرص على الأنساب؛ لذلك كل الرسل أرسلت في نسب قومها، فالقدح في النسب مشكلة كبيرة جداً ممكن تقوض الرسالة.