قال الله عز وجل في الحديث الإلهي: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي عليها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددتُ في شيء أنا فاعله كترددي بقبض روح عبدي المؤمن، يكره الموت وأكره إساءته).
إذاً: هناك حبان: 1 - حبٌ يأتي بعد الفريضة.
2 - حبٌ يأتي بعد المستحب.
قال: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه) هذا هو الحب الأول (ولا يزال) تأمل هذا الفعل الأول: فَعَل ما افترضه الله فأحبه الله، ثم لا يزال، أي: باستمرار (يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه) وهي حرفٌ لانتهاء الغاية، تقول: أكلتُ حتى شبعت، مشيتُ حتى تعبت، فكلمة (حتى) حرف لانتهاء الغاية، ولم يذكر هذا اللفظ إلا في النوافل (ما تقرب إلي عبدي بشيء أحبّ إلي مما افترضته عليه) لكن هذا يدل على أن شوط المحبة لم ينته بعد، هو أحرز المحبة لكنه ما أنهى الشوط (ولا يزال يتقرب حتى) إذاً: لا يصل إلى آخر شوط المحبة حتى يتقرب إليه بالنوافل، فإذا وصل إلى آخر شوط المحبة، استحق الثمرة: (كنتُ سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به)، إلى آخر الحديث.
ونحن نقيس التزام الإنسان عادةً بالنوافل، فهل تتخيل أن رجلاً يصوم يوم الإثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر أو يوماً دون يوم فيأتي عليه رمضان فيفطر؟! أنا أعلم يقيناً أنه لا يفطر رمضان لما أراه يصوم الإثنين والخميس؛ لكن يمكنه أن يصوم رمضان ويقصر في النوافل، هل رأيتم رجلاً قام الليل وضيع الفريضة؟ لكن يمكن أن يصلي الفريضة ويضيع قيام الليل.
إذاً: أي العلامتين أدل على التزام هذا الإنسان؟ متابعة النوافل لا الفرائض.
فأنت يا من تسأل! لماذا تعجز إذا أردت أن تقلد الصحابة؟ لو نظرت في نفسك لوجدت أنك قصرت في كثير من الواجبات، فأنى لك إحراز المستحبات؟ لا تستطيع الصبر على المستحب إلا إذا أديت الواجب كما أُمِرت، وكان الصحابة كذلك، فعلوا الواجب؛ لأنهم كانوا يحبون الله.