الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يَقُوْلُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِيْ السَّبِيْلَ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أيها الإخوة الكرام: جيل الصحابة هو الترجمة العملية للإسلام في النصوص، قرآناً وسنةً.
فإذا أرسل المرء طرفه في حياة هؤلاء يتعجب منهم، أنهم يؤدون العبادة بكل الحب، ومن أراد أن يقلدهم عجز وتعب، قال لي قائلٌ يوماً: كلما قرأتُ سير العلماء أو سير الصحابة، فأردت أن أجتهد كاجتهادهم عجزتُ، فما هو السبب؟ قلت له: السبب أن الأمر يمر بمراحل، فالأمر على ثلاثة أقسام: - أمر وجوب.
- أمر استحباب.
- أمر إباحة.
والنهي على قمسين: - نهي تحريم.
- نهي كراهية.
فإذا أمرت بأمر فهو أحد هؤلاء الثلاثة، ولا أتصور أنك تفعل الأمر المستحب وأنت مقصر في الواجب؛ لذلك فإن من درب نفسه على الواجب سهُل عليه فعل المستحب؛ لأن باب المستحب واسع جداً، لا يأتي على فعل كل المستحبات إلا نبي.
لكن الواجب يستطيع كل مكلفٍ أن يفعله، لماذا؟ لأنه مأمورٌ به على سبيل الحث والإلزام، ويؤاخذ إذا قصَّر فيه، وإذا علمنا أن من أصول الشريعة أن الله رفع الحرج عن الناس، فلا يُتَصَوَّر أن يأمرهم أمر إيجابٍ يعجزون عن فعله.
إذاً: كل أمرٍ دل على الوجوب فبإمكان المكلف أن يفعله، فإذا عجز عن فعله عجزاً حقيقياً سقط الواجب عنه وصار معذوراً عند الله، كما قال عليه الصلاة والسلام: (صلّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنْب).
وقال عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه).
إذاً: الواجب كله بإمكان العبد أن يفعله.
أما المستحب: فلا يستطيع الإحاطة بالمستحب كله إلا نبي.
ولذلك جُعل الاستحباب علامة الالتزام.