سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه -وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة- قالت له أمه: إنك تقول: إن دينك جاء بمكارم الأخلاق وصلة الأرحام -وكان سعد من أبر الناس بأمه- فوالله ما أطعم طعاماً ولا أشرب شراباً حتى تكفر بدينك، فإذا مِتُّ عُيِّرت بي؛ فيقال: يا قاتل أمه! وكانوا إذا أرادوا أن يطعموها فتحوا فمها بالعصا، لأنها تأبى أن تأكل وتشرب، حتى يعير سعد بها طيلة العمر، وكما قلت لكم كان من أبر الناس، فقال لها: يا أم! كلي أو دعي، فوالله لو كان لك مائة نفس، فخرجت نفساً نفساً ما كفرت بديني؛ فأنزل الله عز وجل قوله: {وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا} [العنكبوت:8].
فطاعة الوالدين لها حدود، إلا طاعة الله ورسوله، فطاعتهما مطلقة، وكل إنسان في الدنيا طاعته مقيدة بقيدين: القيد الأول: الاستطاعة.
والقيد الثاني: المعروف، فإذا أُمرت بما لا تستطيع سقط الأمر وسقط وجوبه، وإذا كان مستطاعاً، لكنه حرام، سقط وجوبه، لكن طاعة الله ورسوله مطلقة لا حد لها.
مثلاً: أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية، فجاء الوالد، فقال: احلق لحيتك، فحينئذ تعارض أمران، تعارض أمر النبي صلى الله عليه وسلم مع أمر الوالد، لماذا يثور الوالد على أمر النبي عليه الصلاة والسلام؟! حينئذ يأتي إنسان ليستفتي، فنفتيه بالفتوى الآتية، الأب هذا يقول له: إذا لم تحلق فاخرج من البيت، فنقول له: أطع ربك وأطع أباك، لا تحلق لحيتك واخرج من البيت، لا تجلس في البيت على رغم والدك، لأنك خروجك من البيت مستطاع ويطاق، فلا تخالف أمره إذ أمرك بالخروج.
إذاً: أطع أمر والدك واخرج من البيت، وأطع أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تحلق! لكن كثيراً من الناس يجور على حق النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يجوز، بعض الذين يدركهم الخور والضعف يعصون النبي صلى الله عليه وسلم ويطيعون آباءهم، وهذا ليس له نظير عند الصحابة، فالصحابة ما كانوا يفعلون ذلك ولا قليلاً من ذلك، وهذا سعد بن أبي وقاص يضرب لنا المثل ويضرب لنا الأسوة، يقول لأمه التي هو أبر الناس بها: (والله لو كانت لك مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما كفرت بديني) هناك حدود فاصلة لا يتعداها الإنسان على الإطلاق.