قال: (فناء الرجل بصدره إلى الأرض التي أمُره أن يخرج إليها) فيه دلالة على أن الرجل بادر مباشرة إلى الخروج، وهذا يدل على وجوب التوبة الفورية، لا يحل لمسلم أن يسوف في التوبة، إن العبد يجب أن يتوب من الذنب على الفور لا على التراخي.
ونحن نعلم أن من أخطر ما يصيب المسلم فيما يتعلق بهذا الباب تسويف التوبة يقول: سوف سوف لعله لا يدرك أمنيته، وذلك من أعظم الأبواب التي يدخل الشيطان إلى بني آدم منها -مسألة الأماني- كما قال إبليس عليه لعنة الله: {وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ} [النساء:119] وذكر ابن الجوزي في كتاب: أخبار الحمقى والمغفلين، قال: هبت ريح عاصف على قوم؛ فجأروا إلى الله، فقال رجل: يا قوم! لا تعجلوا بالتوبة إنما هي زوبعة وتسكن فهذا رجل فعلاً يمنيهم كما وصفه ابن الجوزي.
فيجب على الإنسان أن يتوب فوراً، ولا يطيل الأمل، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم رسم على الأرض مربعاً، ثم رسم خطاً طويلاً وسط المربع حتى خرج منه ثم قال: (هذا أجل ابن آدم -الذي هو المربع- محيط به وأشار إلى الخط الطويل وقال: هذا أمله) أمله يتجاوز أجله كثيراً جداً، وهو الرجل الذي يقول لك: إن شاء الله بعد عشر سنين أحقق أرباح كذا وهو سيموت الليلة، فقضي أمره وهو مازال يخطط لأعوام طويلة، ولذلك يجب على الإنسان أن يبيت وهو تائب من المعاصي، ولا يجوز له أن يبيت وهو مسوف.
فهذا الرجل كان من الأشياء الحسنة التي بادر إليها أنه ناء بصدره مجرد ما سمع الفتوى: (فناء بصدره إلى الأرض التي أمر بها).
هذا الرجل ما فعل شيئاً من الصالحات بعد! نقول: (إن مجرد عقد القلب عمل) انعقد القلب على التوبة، ثم بادرت الجوارح بتنفيذ هذا العقد، فلذلك تاب الله تبارك وتعالى على هذا الرجل لانعقاد قلبه وفعل جوارحه.
وليس من اللازم أنه يدرك ويفعل الصالحات، فقد ذكر أبو هريرة رضي الله عنه قال: (إني لأعلم رجلاً دخل الجنة ولم يسجد لله سجدة)، وهذا الرجل تركوه كافراً في المدينة، ثم أدركته عناية الله تبارك وتعالى فأسلم، فمضى على أثر الجيش، فذهب فقاتل حتى قتل، فهذا الرجل ما تسنى له أن يرجع حتى يصلي أو يزكي أو يفعل شيئاً من الخيرات، قال: (إني لأعلم رجلاً دخل الجنة ولم يسجد لله سجدة)!!.
فهذا الرجل بادر وناء بصدره إلى الأرض التي أمره العالم أن يخرج إليها.