إن من أسباب الانتكاس: الخضوع لضغط المجتمع الفاسد، وإن الذي لا يحقق هذا الدين يضعف أمام الضغط المتواصل للمجتمع الفاسد، سواء كان الضغط من قبل الحكومات أو من قبل الأسر، والصحابة رضي الله عنهم في مسألة الإيمان والاعتقاد لم يكونوا يقيمون لأهليهم وزناً.
فهذا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وكان من أبر الناس بأمه، بل كان يضرب به المثل في البر بأمه، فلما أسلم قالت له أمه: ما هذا الدين الذي أنت عليه؟! لا آكل ولا أشرب حتى ترجع عن دينك فأموت فتعير بي، فيقال: يا قاتل أمك! وفعلاً امتنعت من الأكل يومين أو ثلاثة، حتى كانوا إذا أرادوا أن يطعموها فغروا فمها بالعصا حتى تأكل، فقال لها سعد كلاماً واضحاً، معناه: (يا أماه! والله لو كان لكِ مائة نفس فخرجت نفساً نفساً ما تركت ديني، كلي أو دعي)، فلما لم تجد مناصاً أكلت.
وكثير من الأهل يقاومون أولادهم مقاومة شديدة إذا أعفى الولد لحيته يحلف على أمه بالطلاق أو يطرده من البيت، وأنا أقول لك: اخرج من البيت، فهذه هجرة واجبة لا تنقطع إلى يوم القيامة، قال الله تبارك وتعالى: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت:56]، قال ابن جرير الطبري: ومعنى الآية: يا عبادي الذين آمنوا اعبدوني ولا تتركوا عبادتي، واخرجوا عمن منعكم مني، وقال: ويدل عليه قوله: ((فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ)) [العنكبوت:56] أمر بتحقيق العبادة.
إن خروجك من البيت هجرة لا تفرط فيها، وإن الأرض إذا ضاق منها موضع ففي الآخر متسع، ولا عذر له: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء:97].
أميطوا بني أمي صدور مطيكم فإني إلى قوم سواكم لأميل فقد حمت الحاجات والليل مقمر وشدت لطيات مطايا وأرحل وفي الأرض منأى للكريم عن الأذى وفيها لمن خاف القلى متحول فالأرض واسعة، والمهم هو تحقيق عبودية الله عز وجل، ولا تنكث على عقبيك ولا تفرط، وافعل كما فعل الصحابة الأوائل فقد كانوا ثابتين على الحق المبين.