إن المعاهد الذمي الذي له عهد وأمان ينتقض عهده وأمانه بالسب، والحربي ليس له أمان، فـ كعب بن الأشرف كان يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسانه، ويهيج عليه القبائل، ويسبه، ويشبب بنساء المؤمنين، كما يفعل سلمان رشدي في هذه الأيام؛ فقد شبب بنساء النبي صلى الله عليه وسلم، واتهمهن بالدعارة، فلما وجد اليهود أنه لا أحد ينتصر لهذا الرسول صلى الله عليه وسلم، صوروه على صورة خنزير، وكتبوا اسمه صراحة!! وهذه خطوة طبيعية ومتوقعة؛ لأنهم لم يجدوا من يحرك ساكناً لذلك.
ولو أن أحداً من الناس اتهمت امرأته بالدعارة لدخل في حرب مع القائل ولو كلفه ذلك حياته، ولن يلومه الناس ولن يتهمونه بالتهور، فمن قتل دون ماله وعرضه فهو شهيد، وهذا يدافع عن عرضه.
وهاهي أمنا: عائشة، وحفصة، وأم سلمة، وجويرية، وخديجة رمين في أعراضهن، فأين نخوتنا وشهامتنا؟! لقد رأوا أمة ميتة لا تتحرك، ترمى في أغلى شيء لديها ولا تتحرك، فما المانع أن يصور اليهود النبي صلى الله عليه وسلم بهذه الصورة ويلصقونها على أبواب المحلات العربية من أجل أن يصبح المسلمون فيجدون هذه الصورة على أبواب المحلات؟!! لا رد فعل على الإطلاق؛ وكأنما هذا الرسول ليس له أحد في الدنيا!!! وقد اتصل الرئيس الأمريكي بـ سلمان رشدي، وهو رجل لا قيمة له في دنيا الناس، فلماذا يتصل له الرئيس الأمريكي؟ لأنه سب النبي صلى الله عليه وسلم.
نكاية في المسلمين، وتشجيعاً لمن على شاكلته.
وعجباً لمن يدعي الإسلام ثم يكون هذا حاله!! وما هو إلا خلف لسلفه السابق أمثال: عمرو بن أبي عزة لما وقع في الأسر يوم بدر، ودخل على النبي عليه الصلاة والسلام وقال له: أطلق سراحي فعندي أولاد ونساء وسأحفظ لك الجميل، فأطلق سراحه ومنّ عليه، فذهب إليه كفار قريش وقالوا له: أعنا عليهم بشعرك، فقال: إني عاهدتهم وأنا رجلٌ فقير ولي عيال.
فقالوا له: عيالك عيالنا! لئن مت نضمن عيالك إلى عيالنا، فهجا النبي صلى الله عليه وسلم، وذاك قبل وقعة أحد، فلما أمسكه النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اعف عني ولا أعود.
فعفا عنه، فرجع فسبه وشبب بنساء المسلمين، فأمكنه الله منه، فقال له: اعف عني ولا أعود! قال: (لا والله لا أدعك تمشي في شوارع مكة تحك عارضيك وتقول: خدعت محمداً مرتين؛ لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين)، وأمر به فقتل.
هكذا فلنكن! صَفحْنا عَنْ بَنِي ذُهْلٍ وَقُلْنا الْقَوْمُ إخْوَانُ عَسَى الأَيَّامُ أنْ يَرْجعْنَ قَوْمًا كَالَّذِي كَانُوا لكنهم قوم لا ينفع فيهم جميل ولا معروف فلَمَّا صَرَّحَ الشَّر فَأَمْسَى وَهْوَ عُرْيانُ وَلَمْ يَبَقَ سِوَى العُدْوَانِ دِنّاهُمْ كَمَا دَانُوا مَشَيْنا مِشْيَةَ اللَّيْثِ غَدَا واللَّيْثُ غَضْبَانُ وَطَعْنٍ كَفَمِ الزِّقِّ غَدا وَالزِّقُّ مَلآنُ إن زق الماء إذا كان ملآناً وطعن فإنه ينفجر بالماء، والمعنى: أننا أصبحنا ممتلئين وسننفجر، هذا هو معنى البيت: وَطَعْنٍ كَفَمِ الزِّقِّ غَدا وَالزِّقُّ مَلآنُ والنبي عليه الصلاة والسلام لما رأى كعب بن الأشرف يطعن في عرضه ويشبب بنساء المؤمنين قال: (من لـ كعب بن الأشرف؛ فإنه آذى الله ورسوله؟)، والعلماء يقولون: إن التعقيب بالفاء يدل على أن علة القتل هي السب والأذى، فكان أول من قام هو محمد بن مسلمة وهو ابن أخيه، وقام الآخر وقال: وأنا، فكان أبو نائلة، أخوه من الرضاعة، فهم من أقربائه، وقال محمد بن مسلمة: (يا رسول الله! أتأذن أن نقول له شيئاً؟ أي: نخدعه نكذب عليه نجره قال: نعم.
فذهب محمد بن مسلمة إلى كعب وقال له: جئتُ أقترض منك وسقاً أو وسقين من شعير، فإن هذا الرجل قد أعنتنا وأتعبنا، وكل يوم يطلب منا الصدقة، فقال: كعب: وأيضاً، والله لتملنه.
فقال: قد مشينا معه ولا نريد أن نفارقه حتى نرى عاقبة أمره، فقال: ارهنوني نساءكم!! أي: في وسق شعير يريد أن يأخذ امرأة الرجل، والمسألة كلها خداع، فقال: (نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟!) تأتي المرأة فترى هذا الجمال ولاتنظر إليك بعد ذلك؟ فقال: ارهنوني أبناءكم! قال: هذا عارٌ علينا، أن يسب أحدهم يوماً فيقال: رُهن بوسق من شعير، ولكن نرهنك اللأمة، وهو درع الحرب، وكان هذا ذكاء من محمد بن مسلمة، حتى إذا جاء بأدوات الحرب لا يشعر أنهم يريدون قتله، فجاء هو وأبو نائلة وعباد بن بشر وجماعة، وخططوا خطة، وقال محمد بن مسلمة: أنا سأمسك رأسه فإذا تمكنت من رأسه دونكم فاقتلوه، فجاءوا بالليل ونادى أبو نائلة أخوه من الرضاعة، وقال: يا كعب! فسمعت امرأة كعب الصوت، فقالت: لـ كعب: إني أسمع صوتاً يقطر منه الدم، إلى أين أنت ذاهب في هذه الساعة؟ قال: هذا رضيعي أبو نائلة وابن أخي محمد بن مسلمة وإن الكريم إذا دعي إلى طعنة بليل أجاب! ونزل يفوح عطراً، فلما دنا من محمد بن مسلمة قال له: ما رأيت كاليوم عطراً، ما هذا العطر؟ فتبسم كعب وقال: عندي أعطر العرب، وأجمل العرب، وكان ما زال عروساً، فقال محمد بن مسلمة: أتأذن لي أن أشم رأسك؟ فأعطاه رأسه، فلما أمسك رأسه واستمكن قال: دونكم عدو الله، فقتلوه).
وقد نقل شيخ الإسلام ابن تيمية إجماع أهل السيرة على أنه كان مستأمناً معاهداً، فلما سب لم يكن له عهد ولا أمان.