إن عرض الرجل وليته أو ابنته أو أخته على الرجل الصالح اتباع سنة الأنبياء والصالحين، من ذلك: الرجل الصالح صاحب مدين الذي ورد ذكره في سورة القصص: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ} [القصص:27]، قالوا: إنه شعيب، والراجح أنه ليس شعيباً النبي؛ لأن شعيباً النبي قال لقومه: {وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ} [هود:89]، وقد ثبت أن قوم لوط كانوا في زمان إبراهيم، وبين إبراهيم وموسى مدةٌ طويلة تزيد عن الأربعمائة سنة، إنما الراجح أنه رجلٌ صالح من أهل مدين: {قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} [القصص:27]، فعرض ابنته على الرجل، لما رأى فيه من صفات الكمال.
وكذلك في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قال: (إن عمر حين تأيمت حفصة بنت عمر، من خنيس بن حذافة السهمي، وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فتوفي بالمدينة، فقال عمر: أتيت عثمان فعرضت عليه حفصة، فقال: سأنظر في أمري فلبثت ليالي ثم لقيني فقال: قد بدا لي أن لا أتزوج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكر فقلت: إن شئت زوجتك حفصة بنت عمر، فصمت أبو بكر فلم يرجع إليَّ شيئاً وأوجد عليه مني على عثمان، فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنكحتها إياه، فلقيني أبو بكر فقال: لعلك وجدت عليَّ حين عرضت عليَّ حفصة فلم أرجع إليك شيئاً، قال عمر: قلت: نعم.
قال أبو بكر: فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك فيما عرضت عليَّ إلا أني كنت علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ذكرها، فلم أكن لأفشي سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو تركها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبلتها).
وفي صحيح البخاري ومسلم من حديث زينب بنت أم سلمة: (أن أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالت له: يا رسول الله! انكح أختي ابنة أبي سفيان -تريد أن تزوجه أختها شقيقتها- قال: تحبين ذلك؟ فقلت: نعم.
لست لك بمخلية -أي: لست أنا الوحيد التي معك- وأحب من يشاركني في الخير أختي، فقال: إن ذلك لا يحل لي، فقلت: يا رسول الله! فوالله إنا نتحدث أنك تريد أن تنكح درة بنت أبي سلمة، قال: ابنة أم سلمة؟ فقلت: نعم، فقال عليه الصلاة والسلام: فوالله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلّت لي إنها ابنة أخي من الرضاعة، أرضعتني وأبا سلمة ثويبة فلا تعرضن عليَّ بناتكن ولا أخواتكن).
أي: هي محرمةٌ لسببين، السبب الأول: أنها ربيبة في حجري، والربيبة هي ابنة المرأة من الزوج الآخر.
بمعنى أن رجلاً تزوج امرأة، أنجب منها بنتاً، ثم طلقها أو مات عنها، فالمرأة تتزوج، وإذا تزوجت المرأة رجلاً، تصير البنت من الزوج الذي طلق أو مات ربيبة، والربيبة تحرم إذا دخل الزوج بالأم، أما إذا لم يدخل بها، فيجوز له أن يتزوجها، قال الله عز وجل في آية المحرمات: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [النساء:23]، أي: إذا عقد الرجل على المرأة ولم يدخل بها وطلقها، جاز له أن يتزوج ابنتها، بخلاف البنت، فإنه إذا عقد الرجل على البنت ولم يدخل بها، حرمت الأم إلى يوم القيامة، لقول الله عز وجل في آية المحرمات: {وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ} [النساء:23]، فبمجرد العقد صارت البنت زوجة، وصارت أمها محرمة إلى يوم القيامة، فقال: (فوالله لو لم تكن ربيبتي في حجري ما حلت لي)، والسبب الثاني: لأن ثويبة أرضعته وأبا سلمة، فهو أخوه من الرضاعة، فلا يحل أن ينكح الرجل ابنة أخيه من الرضاعة.
وروى أبو يعلى في مسنده بسندٍ قواه الحافظ ابن حجر رحمه الله: (أن امرأةً قابلت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحج تعرض نفسها عليه، فجعل الفضل بن العباس ينظر إليها، ويلوي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجه الفضل).
كل هذا فيه دليل على أنه يجوز للمرأة أن تعرض نفسها، ويجوز للولي أن يعرض بنته، وهي سنة سنة الصالحين، وهناك أمثلة أخرى نذكرها إن شاء الله.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.