اتباع الكتاب والسنة هو السبيل لتحقيق الأخوة الصادقة

الحمد لله رب العالمين، له الحمد الحسن والثناء الجميل، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يقول الحق وهو يهدي السبيل، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

لعل قائلاً يقول: قد أحسنت فيما قلت! يحنو بعضنا على بعض، لكن ما السبيل إلى هذا الخلق الرائع الذي كان فيه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم؟ نقول: السبيل كتاب الله عز وجل، وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم على نهج السلف الصالح -هذا هو السبيل- وأن تضع في حسبانك ألا تقدم بين يدي الله ورسوله قول أحد كائناً من كان وإن أصابك ما أصابك؛ فحينئذٍ تجد نفسك وضعت رجليك على أول الطريق، أما بغير ذلك فلا.

تجد الآن بعض المسلمين يكفر الطرف الآخر، لماذا يكفرونهم؟ لأنهم جهلة، ليس عندهم شيء من العلم، إنما عندهم شبهات، ويعتدون بأنفسهم أشد الاعتداد، وهذا -كما قلنا- ضيع ثلاثة من أكبر العتاة، فهو كفيل أن يضيع هؤلاء الغثاء، الذين لا يزنون شيئاً في الحياة.

إن الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه أصحاب عبادة وزهد، إلا أنهم جهلة، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في صفتهم: (يخرج أقواماً يحقر أحدكم صلاته إلى صلاتهم، وصيامه إلى صيامهم، يقرءون القرآن لا يجاوز حناجرهم، يخرجون من الدين كما يخرج السهم من الرمية)، أبعد أن يكون من القانتين الصائمين العابدين يخرج من الدين كما يخرج السهم من الرمية؟! نسأل الله العفو والعافية! (يخرج من الدين كما يخرج السهم من الرمية) نعم؛ لأنه جاهل، لم يقف على شيء كبير من العلم، لذلك خرج وما نفعته عبادته.

لذلك: نحن ندعو دائماً إلى الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح.

أما درى هذا القائل قول النبي صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (من قال لأخيه (يا كافر) أو قال له (يا عدو الله) فإن لم يكن كذلك إلا حار عليه ورجع، ولو كان مازحاً) لو كان يمزح ويقول له: (يا كافر) مازحاً، إن لم يكن هذا كافراً رجعت إليه الكلمة.

هناك جاهل يقول: (من لم يكفر الكافر فهو كافر)، ويأتي على رجل من المسلمين يزعم أنه كافر، ثم يقول لك: إن لم تكفره فأنت مثله كافر.

وهذا إنما أتي من فهمه ومن يكُ ذا فمٍ مرٍ مريض يجد مراً به الماء الزلالا فالماء النقي عندما يوضع في إناء فيه طين يصير الماء كله طين، ويذهب صفاؤه.

إن هذه القاعدة: (من لم يكفر الكافر فهو كافر) إنما تقال في الكافر الأصلي، الذي لا يختلف على كفره اثنان، فمثلاً لو قال رجل: إن النصراني ليس بكافر.

نقول له: أنت كافر لماذا؟ لأن الله تبارك وتعالى حكم بكفره بلفظ قاطع محكم: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ} [المائدة:73]، {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ} [المائدة:17] فهذا حكم الله عز وجل القاطع، الذي لا يحتمل تأويلاً.

حينئذٍ: الذي يتوقف في تكفير من أطلق الله عز وجل عليه الكفر فهو كافر، ونقول له: أنت كافر بملء فمنا.

إنما يأتي رجل كان في الأصل مسلماً، فارتكب أعمالاً هي من أعمال الكفر، واختلف الناس فيه، فقال جماعة: هو كافر، وقال جماعة: نلتمس له العذر وليس بكافر، فلا يمكن أن يقال: من لم يكفر الكافر فهو كافر؛ لأن هذا كافر من وجهة نظرك، والدلائل التي قامت عندي لا تكفره، حينئذٍ لا نعمل هذه القاعدة التي إنما تقال في الكافر الأصلي، لا على الكافر الذي اختلف المسلمون في كفره.

وهؤلاء ترى أحدهم يرمي جماهير المسلمين بالكفر؛ لأنهم لا يكفرون من يرى أنه كافر، وهذا جاهل جهلاً غليظاً جداً.

وهؤلاء الذين يكفرون المسلمين لا تصادقهم، ولا تدعهم إلى بيتك، ولا تؤاخهم؛ لأنهم قد يكفرونك، وأنت لا تضمن أنك إن أدخلتهم بيتك لم يسرقوا ما عندك من مال؛ على أنه غنيمة، ولا تضمن أنهم لا يستحلون امرأتك على أساس أنها من السبي.

فلا تدخلهم بيتك ولا كرامة، واغلظ عليهم في ذات الله عز وجل؛ فإنهم فرقوا شمل المسلمين.

فإن أسلافهم الخوارج كان عندهم شيء من العلم وكانوا أهل عبادة وزهد، أما هؤلاء فهم جهلة أغمار.

فأسلافهم كفروا علياً رضي الله عنه والنبي صلى الله عليه وسلم شهد له بالجنة.

انظر إلى فجور هؤلاء يكفرونه! يجعلونه من أصحاب النار! والمعصوم صلى الله عليه وسلم قد شهد له أنه من أصحاب الجنة، ومع ذلك يقولون: هو من أصحاب النار، وخرجوا عليه وكفروه، ومع ذلك فإن علياً رضي الله عنه أنصفهم والإنصاف عزيز: ولم تزل قلة الإنصاف قاطعة بين الرجال ولو كانوا ذوي رحم فعندما سئل عنهم علي بن أبي طالب: أهم كفرة؟ قال عنهم قولة الرجل الفقيه، الذي يقف على حدود ما أنزل الله، ولا يتهجم إذا اغتاظ.

وهؤلاء الذين يكفرون المسلمين ترى أحدهم إذا هدأت ثورته كف عن التكفير، وإذا غاظه أحد كفر الجميع، فالمسألة عنده لا ترجع إلى موازين ولا إلى أدلة.

فلما سئل علياً رضي الله عنه عنهم: أهم كفرة؟ قال: لا.

من الكفر فروا، لكنهم قوم أصابتهم فتنه فعموا وصموا.

انظر تشق عصا المسلمين بالجهل والهوى.

إذا أردت أن تسلك طريق الأخوة في الله فعليك أن ترجع إلى اللبنة الأولى، إلى ما علم النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أول ما علمهم! فأول ما علمهم: التوحيد والرهبة من الله عز وجل، واتقاء غضبه، ورجاء رضوانه تبارك وتعالى.

نسأل الله عز وجل أن يهدي أمتنا إلى التي هي أقوم والتي هي أحسن.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وإسرافنا في أمرنا، وثبت أقدامنا، وانصرنا على القوم الكافرين.

اللهم اجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

اللهم قنا الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015