التمكين يبدأ من الرضاعة، أيها العبد! لماذا تتزوج؟ لا تقل لي: ليخلد اسمي عبر القرون، فوالله ما نعرف أولاد ابن حجر العسقلاني، ولا نعرف أولاد سائر العلماء، ما عرفنا العلماء إلا من علمهم، إن فرعون خلد اسمه عبر القرون، وكذلك قارون خلد اسمه عبر القرون، يصير من قرنٍ إلى قرن، لكنه مصحوب باللعنات.
الرجل الذي بال في ماء زمزم زمن الحجيج، فسألوه: لماذا فعلت ذلك؟ فقال: أردت أن أذكر ولو باللعنات.
يريد أن يذكر، ويكون له اسم! وإذا قلت له: ماذا تريد من الولد؟ يقول لك: لكي يرث المصنع، ويرث العقارات، شبابي كله عبارة عن مصانع، أتركها لمن؟ ولذلك تجد الرجل العقيم ليس عنده طموح في ترك أي شيء وراءه، لو علم أنه عقيم يبدأ يبيع ملكه ويتمتع به.
لماذا تتزوج؟ تتزوج لتنجب عباداً لله، عندك من الأولاد خمسة، هل خطر ببالك أن تقول: هذا الولد وقف لله؟ هل خطر في البال ذلك؟ لا.
لكن يخطر بالبال كثيراً أن تقول: هذا الولد -ما شاء الله- عبقري وذكي، هذا يصير طبيباً، وهذا يصير مهندساً، وهذا أعلمه الكمبيوتر؛ لأنني أريده أن يعمل في محطة الفضاء، وكل ولد من أولادك عملت له دراسة جدوى، ورسمت له حياته، ليت على الخريطة أن هذا الولد مكتوب أمام اسمه: (وقفٌ لله تعالى، لا يجوز استخدامه إلا في الدعوة)، كم رجل خطر على باله هذا الأمر؟! حتى أريكم هذه المحنة، وأنها عميقة الجذور، والتمكين إنما يكون من وقت الرضاعة: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ} [القصص:7].
رجلٌ ابنه في سنة ثاني ابتدائي، ثم بعد فترة أصابه العمى، فقام أبوه بإخراجه من المدارس الأهلية وأدخله الأزهر لماذا؟ يقول لك: القرآن أولى به! حتى جاءت فترة من الفترات كان علماؤنا وخطباؤنا من أرباب العاهات، فكأنه صدق عليهم قوله عز وجل: {وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ مَا يَكْرَهُونَ} [النحل:62]، لماذا لم يحفظ القرآن قبل ذلك وله عيون البقر؟! لماذا حفظ القرآن لما عمي؟! عرفتم -أيها الكرام- كيف تعثرنا في الإجابة على هذا
Q لماذا نتزوج؟ اعلم أنه لا ينفعك إلا الولد الصالح في الدنيا والآخرة، هذا هو رصيدك، لو كنت عاقلاً: ادرس هذا الموضوع دراسةً صحيحةً؛ تعلم جدواه.
الرسول عليه الصلاة والسلام قال: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: -منهم- ولدٌ صالح يدعو له).
العلماء يقولون: إن الكلام إذا قيد بصفة ثبتت الصفة للحكم، وانتفت عما عداه.
قصر استجابة الدعاء على الولد الصالح، إنما الفاسد لا، فصارت الصفة مقصورة على جنس معين من الولد، لو قال: (ولدٌ يدعو له) هكذا مطلقة؛ لدخل فيها الفاسد، فلما حددها وضيقها دل على أن الفاسد لا ينفع أباه لا في الدنيا ولا في الآخرة.
استدعاني جماعة من أقاربي بعد وفاة والدهم، قالوا: احضر معنا القسمة، الرجل ترك سبعة أولاد: ثلاث بنات وأربعة أولاد، وهذه المهزلة حصلت بعد ثلاثة وعشرين يوماً، يعني كما يقول العوام: أن أربعينه لم تكتمل، ثم قسمنا التركة فكان نصيب البنت من التركة خمسة وسبعين ألف جنيه، ونصيب الولد مائة وخمسين ألف جنيه، لو أن الموظف الحكومي من أول يوم عُيّن أخذ مائتي جنيه، فإنه سيكون مجموع ما استلم خلال ثلاثين سنة هو سبعون ألفاً، وهو لا يبتدئ بمائتين، وإنما يبتدئ بستين، يعني حياته رخيصة جداً.
فقال أحد الأولاد والذي يبلغ من العمر إحدى وعشرين سنة وكان طائشاً: قبل أن تقسموا أخرجوا تكاليف زواجي.
كيف يا بني؟ الوالد وهو حي له أن يعطي ماله لأي أحد، وقد كان يزوج أولاده ولداً ولداً، وقبل أن يزوجك مات! فقال الابن: لا.
أنا أريد مثل إخوتي تماماً.
فكان كلما هدأه إخوته يزداد أكثر، فإنه لم يقتنع بالمائة والخمسين ألف بل يريد أيضاً خمسين ألف جنيه حق الزواج وكان يقول له إخوته: إن أبانا لم يكمل الأربعين يوماً منذ موته فقال: الله يرحمه، افرشوا له طوبة تحت رأسه، دعونا في الموضوع، لا تخرجوا من الموضوع! انظر إلى الولد! انظر كيف يتكلم على أبيه!! لو قدر لأبيه فأحياه الله ورأى هذا الولد يتصرف هكذا لقال: ليته مات وهو صغير؛ لكنت وفرت كثيراً من المال.
أهذا هو الولد الذي أنت تريده أن يكون دكتوراً أو مهندساً وما علمته العبودية لله عز وجل، فإنك ما انتفعت به لا في الدنيا ولا في الآخرة.
ومن هذا نعرف أن سبب المحنة التي نعيشها فشل الجماهير في الإجابة عن (لماذا نتزوج)؟ ليس عندنا هدف واضح، ولا رؤية جلية، وعندنا ضعف الانتماء.
العلاج: وضوح الهدف، تعامل مع هذا الدين كما لو كان أنزل إليك وحدك، وأنت المسئول عن إقامته وحدك، واجعل هذا فرض عينٍ عليك، وألزم نفسك به.
اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك ولا يرحمنا، ربنا آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها.