إن هذه المحنة التي يعيشها المسلمون الآن هو هذا الشتات القلبي بين المسلمين، وهذه الأخوة الجوفاء التي يتشدق المسلمون بها الآن هي السبب في هذه المصائب، فأين حدبك على أخيك؟ وأين شفقتك؟ لقد قلت من هذا المكان مراراً وتمنيت من كل قلبي أن أجد له أثراً فعالاً.
قلت: الذين يحجون أكثر من مرة.
والحج بعد المرة الأولى يصير في عداد النافلة، أي: التطوع، فينفق بضعة ألوف من الجنيهات على هذا الحج ويذهب ولا يحج على السنة.
ففي اليوم الثامن يحشرون حشراً إلى عرفات ولا يبيتون في منى، وإذا ما أفاضوا من عرفات يتجاوزون المزدلفة ولا يبيتون بها قلت لمثل هؤلاء: هذه الألوف التي تنفقها انظر إلى أخ لك فقير لا يجد ثمن الزواج، أو إلى مريض لا يجد ثمن العلاج، أو إلى رجل يريد التوسعة في سكنه، أو إلى رجل هدم مسكنه رأساً ويعيش في عشة، قل له: خذ هذا المال، واقض به حاجتك، لكن عقد الأخوة فارغ، مجرد دعوى جوفاء لا قيمة لها، ولا يمكن لمثل هذه المؤاخاة أن تقوم في مجتمع يسوده الجهل والجبن والشح، مع أنك إن فعلت ذلك تقربت إلى ربك عز وجل أكثر من تقربك بهذا الحج الناقص، فحدبك على أخيك وعفوك عليه فرض عليك، وحجك نافلة، فقدم الفرض على النافلة إن كنت تريد الأجر؛ لكن ما أظنك تريد الأجر؛ لأن المرء إن علم أن هذا الموطن يؤجر فيه أكثر من الموطن الآخر لا شك أنه يذهب إليه.
والذين يذهبون إلى المصيف ينفقون في عشرة أيام أكثر من ألف جنيه، ثم يعودن بأوزار يحملونها على أظهرهم ويزعمون أنهم يرفهون عن أنفسهم، وإننا ما علمنا أن المعصية يمكن أن ترفه عن العبد وتزيل همه.
أترفه عن نفسك بالنار؟! كالذي يرى أن الجو حار فيقول: أدخل فرناً؛ فهو كالمستجير من الرمضاء بالنار؛ فهذا الذي يذهب إلى المصيف ثم يعود بأوزار على ظهره يعمل عمل المجانين، وهذا من المفاهيم الخاطئة الناتجة عن الجهل بهذا الدين وحدوده ومعالمه.