سمع الخبر سراقة بن مالك وكان جالساً مع قومه، وسمع جُعل قريش لمن يأتي بهما أحياء أو أمواتاً، فطمع في الجُعل، وسمع رجلاً يقول: رأيت سواداً بالساحل أرى أنه محمد وصاحبه، يقول سراقة: فعلمت أنهما هما، ولكني قلت: ليسا هناك، إنما هو فلان وفلان مرا علينا من هنا، فهو يغطي الخبر طمعاً في الجعل.
قال: ودخلت البيت وأمرت جاريتي أن تجهز فرسي ونزلت من وراء البيت، وأخذت رمحي وركبت فرسي ولحقت بهما، فأدركهما بعد أن فارقا خيمة أم معبد، يقول عن نفسه: فلما اقتربت منهما أخرجت من كنانتي الأزلام واستقسمت، فخرج السهم الذي فيه: لا تصبهم بمكروه، فخالفت الأزلام ومضيت، فلما دنوت منهما عثرت بي فرسي فسقطت عنها فقمت، فلما لحقت بهما غاصت قوائم فرسي في الأرض إلى ركبتيها، فعلمت أن ذلك منهما، فناديتهما الأمان، وكان أبو بكر كثيراً ما يلتفت ورسول الله لم يلتفت أبداً، وكان من شأن أبي بكر أن يقول: يا رسول الله أدركنا الطلب، أدركنا الطلب.
ويبكي، فقال له رسول الله: (ما يبكيك يا أبا بكر؟ قال: الطلب أدركنا، قال: لا تخف إن الله معنا، فسيكفيكهم الله).
يقول سراقة: ما إن قال ذلك إلا وغاصت قوائم فرسي، فناديتهما الأمان، وقلت: يا محمد! لقد علمت أن ما أصابني منك، فادع ربك أن يكشف عني هذا ولكما الأمان مني، فوقف ودعا وخرجت قوائم فرسي، فعلمت أنه حقاً رسول الله، فأعلن تصديقه برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: وعرضت عليهما الزاد فامتنعا، وقلت: بماذا تأمراني؟ قالا: رد عنا الطلب، فقلت: اكتبوا لي كتاب أمان، فقال صلى الله عليه وسالم لـ عامر بن فهيرة: اكتب له، وقيل الذي كتب له أبو بكر على قطعة جلد أو على عظم، فوقف سراقة في مكانه ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأصحابه.
وبعد فترة جاء الطلب من قريش فقال لهم: قد كفيتم هذه الجهة، اطلبوه في غيرها، وكل من لقيه كان يقول له: قد كفيت هذا الوجه فاطلبه في غيره.
ومكث ثلاثة أيام ثم أخذ يحدث بما لقي وما صار له من فرسه، فسمع بذلك أبو جهل فأرسل يحذر بني جعشم أي: أهل سراقة، وكان سراقة سيد قومه، فخاف إذا تفشت القصة عند الناس أن يعلم مكان رسول الله، وهذه معجزة.
يقول ابن هشام وغيره عن سراقة: جاء في أول اليوم طالباً رسول الله وفي آخر اليوم مدافعاً عنه.
فقال سراقة لـ أبي جهل: والله يا أبا الحكم لو رأيت ما وقع لي ولفرسي لعلمت أن محمداً نبي حقاً، وقد علمت أن دينه منتشر ومنتصر.