كان صلى الله عليه وسلم في بيت أم هانئ -كما في رواية البخاري - مستلقياً على ظهره، فإذا بسقف البيت انفرج، ودائماً ننبه أن السيرة النبوية ليست مجرد قصص أو روايات، بل يجب على المسلم أن يقف عند كل جزئية وكل حدث ليستخلص العبرة.
انفرج السقف ونزل ملكان بصورة رجلين فأخذاه إلى الحطيم إلى زمزم، وشقا صدره، وأخرجا قلبه وغسلاه بماء زمزم، وملآه إيماناً وحكمة، ثم كانت الرحلة المباركة.
نقف وقفة: هل هذه أول مرة يأتيه ملك أو ملكان، أو أن جبريل وغيره كانوا يأتون إليه مراراً؟ وهل كانوا يرونه موضع مجيئهم؟ لا.
لم يكن يشعر إلا وجبريل عنده، يأتي من الجدار أو الباب أو السقف أو الأرض، لا يدري إلا وجبريل أمامه، لكن في هذه المرة بالذات تغاير مجيء الملك عن المرات الأخرى، في المرات المتقدمة كان يأتي جبريل ويوحي إليه بما أوحاه الله إليه، يجيء مجيئاً سلمياً تعليمياً، لكن هذه المرة كان فيها شق الصدر، والصدر دم ولحم وهو إنسان، فلكي لا يجزع صلى الله عليه وسلم أراه الله هذا السقف ينفرج وهو جماد من جذوع النخل أو من خشب الشجر، وينزل من نزل منه ثم يعود فينطبق، فإذا رأى الجماد الذي لا يحس ولا يلتئم ولا يلتحم؛ إذا رأى بعينه انفراجه والتحامه، فلا يشق عليه إذا أسند ووسد ليشق صدره، والصدر دم ولحم, وكم من عضو ينجرح ثم يلتئم؛ لأن الجسم فيه حيوية وقابلية لالتئام الجروح، فالتئام الجرح بعد الشق أقرب وأيسر من التئام السقف وهو من الجماد؛ فكانت هذه كما يقال: عملية تنبيه وطمأنينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإن قيل: قد سبق أن شق صدره وهو رضيع في بني ساعدة عند حليمة رضي الله تعالى عنها؟ نقول: نعم، ولكن كان طفلاً صغيراً، ولما جاء أخوه من الرضاعة إلى أمه وقال: أدركي أخي! فإن رجلين أخذاه فأضجعاه وشقا صدره! أي: غصباً عنه، والآن هو كبير، بعد البعثة، وهو وفي درجة النبوة عندما يشق صدره، إذاً: كان انفراج السقف بمثابة الطمأنينة، وشق صدره لم يكن عملية جراحية فيها تخدير، بل يرى بعينه، ويدرك بقلبه وشعوره.