ثالثاً: نحن في بداية الصحوة ولا تزال قابلة للتوجيه وقابلة للنصح، لا بد من تحذيرها من لوثات الفرق والافتراق في جميع أشكالها.
فالأمة الإسلامية تعيش أوضار الفرق الباطنية بأشكالها، الصوفية بطرقها، الرافضة والشيعة بمصائبها ودواهيها، والقبورية ومحدثات البدع الكثيرة، بل وحتى المدارس الفلسفية الضالة الموروثة والجديدة، الاتجاهات الجهمية، والاتجاهات الكلامية، والاتجاهات الاعتزالية، كلها موجودة في المسلمين في بعض المفكرين والمثقفين وبعض الجماعات، بل حتى الاتجاهات الغربية المنحرفة: العلمنة، والحداثة، والقومية، والوطنية وغير ذلك من المصائب الدواهي التي جاءتنا من الغرب، كل هذا يوجد في المسلمين، ولا بد من تخليصهم في صحوتهم الجديدة من هذه الأوضار والخبائث.
ولا بد من بناء المسلم على العقيدة السليمة، وتخليصه من التوجهات التي تصرف دينه وعقيدته عن الحق، لاسيما أنه قد يوجد من المسلمين العدد الكبير من عنده ما يشبه الانفصام في الشخصية، تجده نظرياً يعرف العقيدة الإسلامية ويؤمن بها وبالشريعة والإسلام، لكنه عملياً عنده لوثات فكرية خطيرة: كأن يرفض دين الله، أو يعرض عن دين الله، أو يبرر وجود الأنظمة الوضعية والقوانين، أو يبرر لوجود الأوضار والرذائل في المسلمين، أو ييئس المسلمين من العودة إلى الحق والإسلام أو نحو هذا، وكل ذلك موجود في المسلمين أنفسهم جماعات وأفراداً، ولا تسلم الصحوة من وجود بعض هذه اللوثات.
فإذا كان كذلك فلا بد أن نعنى بتخليص المسلمين من هذه الفرق، ولا ننخدع بما يقول به بعض المغفلين أو بعض الجاهلين أو بعض المغرضين من دعوى أن في هذا الظرف لا بد أن نجمع كلمة المسلمين على أي شعار كان، وعلى أي عقيدة كانت، هذه دعوى باطلة، بل هي نسف للحق، وترسيخ للضلالة والافتراق، ولا يجوز للمسلمين أن يجتمعوا على الضلالة، ولا على البدع، ولا على الافتراقات والأهواء، بل الاجتماع على الحق ولو كنت وحدك، كما قال عبد الله بن مسعود وكثير من الصحابة.
والاجتماع هو التمسك بالحق، ولو لم يجتمع على الحق إلا القلة الضئيلة من المسلمين لكان هذا هو الغاية الشرعية، وأمر بقية البشر إلى لله سبحانه وتعالى، فهو الذي سيحاسبهم ويحاكمهم.
أما أن نغلب جانب العاطفة على حساب العقيدة والدين وعلى حساب الإسلام والحق فهذا أمر لا يجوز أبداً، بل هو الباطل بعينه.
إذاً: فدعوى أننا ينبغي أن نجمع المسلمين على ما هم عليه من شعارات وأهواء وفرق وضلالات وانحرافات هذه دعوى باطلة، ويجب ألا تنطلي على ذي بصيرة.
وكما قلت: الله سبحانه وتعالى أمرنا بالتمسك بالحق حتى ولو كنا قلة، بل أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بخبره الصادق أن الحق يبقى مع فرقة في هذه الأمة تعادل واحدة من ثلاث وسبعين فرقة، وحديث الافتراق صحيح، بل النبي صلى الله عليه وسلم أكد على سبيل الجزم بأن هذه الأمة فيها طوائف ستتبع أهل الضلالة من اليهود والنصارى والفلاسفة والعلمانيين والزنادقة وغيرهم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة)، وفي رواية: (شبراً بشبر وذرعاً بذراع).
فقوله: (لتتبعن) الخطاب للأمة، وهذا لا يعني أنه ينقطع فيها الحق، بل لا بد من وجود الحق في طائفة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر بهذا أخبر بأنه ستبقى طائفة على الحق ظاهرة منصورة لا يضرها من خذلها ولا من عاداها إلى قيام الساعة، ولأن الله تكفل بحفظ الدين، وحفظ الدين لا يكون بحفظه بالمصحف والكتب، إنما بحفظه بالذين تقوم بهم الحجة على الحق، والله سبحانه أيضاً تكفل بالجهاد إلى يوم القيامة، وهذا لا يتم إلا بجماعة.
إذاً: فالمقصود هو الاجتماع على الحق، وينبغي ألا تستهوينا دعاوى الذين يبررون اجتماع المسلمين على أي راية كانت، فإن هذه من تلبيس الشيطان، وهذه لا يدعيها -كما قلت- إلا جاهل أو مغرض أو مغفل لا يفهم مصالح الإسلام والمسلمين.