من العيوب: الجفوة بين بعض الشباب وبين العلماء، وهي جفوة غريبة ومريبة وخطيرة أيضاً، وأسبابها كثيرة، ربما تتبين لبعض طلاب العلم وأهله، لكن هناك من الأسباب ما لا يتبين، وربما يكون لأهواء النفوس وحظوظها سبب في ذلك، لكن المهم أن ظاهرة جفوة بعض الشباب للعلماء وقدحهم فيهم وبعدهم عن مجالسهم وعن دروسهم وعن توجيهاتهم أمر ينذر بشر، وهو عيب يجب علاجه، ولو برر لذلك بعض المبررين أو حاولوا أن يفتعلوا لذلك الأسباب: إما مما يقال: من أن بعض العلماء لا يجلس للشباب، أو لا يهتم بأمرهم، أو لا ينشر العلم الشرعي، أو لا يهتم بالدعوة، أو يتهم بمداهنة أو نحو ذلك، كل هذه إنما هي من الشبهات، وهي من وسائل الشيطان للتفريق بين المؤمنين.
وأيضاً من المثاليات عند بعض الشباب؛ لأن تصوراتهم ومقاييسهم للرجال مقاييس ليست شرعية، وفيها نوع من التضييق والعنت، وشروطهم في القدوة شروط لا تتمثل ولا في الصحابة، فلذلك يقدحون في علم العالم أو في قدوته أو في دينه، أو يحكمون على قلبه لمجرد أمر من الأمور التي يعذر بها، أو التي ربما تكون قادحة، لكن لا تلغي ما هو عليه من الخير والعلم والفضل، والعلماء كغيرهم من الناس بشر، قد يكون فيهم بعض الأخطاء وبعض التقصير، وهذه سنة الله في خلقه، ولا بد أن يوجد، لكن الرجال يوزنون بمجموع أعمالهم، بمجموع ما هم عليه من السلوك والعلم والعمل، لا بمفردات تصرفاتهم أو أقوالهم أو مواقفهم.
فالعالم قد يزل، لكن الزلة الواحدة والثنتين والثلاث لا تضره في دينه، والعالم قد يخطئ في الحكم، وقد يظلم، وقد يحسد، وهذا أمر معلوم، لكنه لا يضر بمجمل ما هو عليه من الفضل؛ لأنا لو أخذنا الأمور بالموازين الشرعية لوجدنا عند العلماء من الفضائل ما لا يقدح به مثل هذه المظاهر أو التصرفات، التي يظن الشباب أنها تسقط العدالة وتسقط الاعتبار، فهذا ضيق في الحكم وضيق في الأفق يقع فيه بعض الشباب.