Q لقد قلت: إنه ليس هناك فرق في الأصل بين الدعاة والعلماء، فكيف نجمع بين هذا وإرسال الرسول صلى الله عليه وسلم لبعض الصحابة وهم لا يفقهون من الإسلام إلا القليل؟
صلى الله عليه وسلم إن هدي الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة وهو المثل، وكان دعاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على نوعين: دعاة يذهبون لغرض معين، كإبلاغ رسالة أو كلمة أو كلمتين، فهذا يتحرى فيهم من يناسب هذه المهمة من الشجاعة والقدرة والجرأة والإقدام وقوة الكلمة، ولو كان شبه عامي، وإن كان هذا لا يقال في الصحابة، ودعاة يذهبون لتعليم الناس الدين، كما بعث إلى اليمن والبحرين وإلى شمال الجزيرة وجنوبها وغربها، وهؤلاء لا يكونون إلا علماء، وهكذا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث في تعليم الناس دينهم وتصدر الدعوة في الأقاليم الجديدة إلا العلماء الأمثل في العلم.
وكان الخلفاء الراشدون على هذا النهج، أبو بكر وعمر وعثمان وعلي كانوا يبعثون إلى الأقاليم علماء الصحابة، وكانوا يجعلون الرجل المناسب في المكان المناسب، فيما يتعلق بقيادة الجيوش وما يتعلق بالأمور الإدارية الجزئية قد يرسلون من لا يكون عالماً بالمعنى الكامل في ذلك الوقت، لكنهم لا يرسلون للدعوة إلى الله ولتعليم الناس الدين ولتفقيههم في الشرع إلا العلماء، ولم يتصدر الدعوة في القرون الثلاثة الفاضلة من أهل السنة والجماعة إلا العلماء بإطلاق، بل لم يتصدرها إلا أئمة الدين، وهذه قاعدة مطردة في أئمة السلف ومن كان على نهج السلف إلى يومنا هذا، ومن أخل بهذه القاعدة فهو مخل بنهج السلف وبسبيل المؤمنين.
فلينظر في أمره، وليتأنى وليدرس وضعه، وليحرر المسألة شرعاً، ولا تأخذنا العواطف، أو تأخذنا العزة للانتصار لدعوة ما أو لمنهج ما، ما كان في منهج السلف قديماً وحديثاً يتصدر الدعوة إلا العلماء، لكن هل معنى هذا ألا يدعو إلا عالم؟ لا، فمن أعطاه الله بصيرة في أمر من أمور الدين وجب أن يدعو ويعلم، لكن القيادة والريادة والشورى والمرجع في الدعوة هم العلماء، وهم الذين على الصدارة، وليسوا مجرد أيضاً مستشارين، بل ينبغي أن يكونوا هم قادة الدعوة بكل معاني الكلمة الشرعية.
وهذا ما أريده، وما أشار إليه السائل جزاه الله خيراً، وقد ذكرنا بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة أئمة الدين، وهو أنه لا يدعو إلى الدين ويتصدر الدعوة إلا عالم، فلذلك كان الفارق بين نهج السلف ونهج أهل البدع، فأهل البدع دعاتهم جهال والسلف دعاتهم العلماء، وهذا نهج لا يتخلف إلا نادراً في حالات لا تخرجنا عن القاعدة الأصلية.